فقال عليهالسلام «رضيت من نفسك بنعلين» ، فقالت : نعم ؛ فأجازه (١) النبي صلىاللهعليهوسلم ، والظاهر أنّ قيمة النّعلين أقلّ من عشرة دراهم ، فإنّ مثل هذا الرّجل والمرأة اللذين تزوّجا على نعلين يكونان في غاية الفقر فنعلهما تكون قليلة القيمة جدّا.
وروى جابر عن النّبي صلىاللهعليهوسلم أنّه قال : «من أعطى امرأة من نكاح كفّ دقيق ، أو سويق ، أو طعاما فقد استحلّ» (٢) ، وحديث الواهبة نفسها أنّه ـ عليهالسلام ـ قال للّذي أراد أن يتزوّجها التمس ولو خاتما من حديد» (٣) وذلك لا يساوي عشرة دراهم.
فصل [في الخلاف في المهر بالمنافع]
قال أبو حنيفة : لو تزوّجها على تعليم سورة من القرآن لم يكن ذلك مهرا ، ولها مهر مثلها ولو تزوّجها على خدمة سنة ، فإن كان حرّا فلها مهر مثلها ، وإن كان عبدا فلها خدمة سنة وقال غيره (٤) : يجوز جعل ذلك مهرا ، واحتجّ أبو حنيفة بهذه الآية.
قال : لأنّه تعالى شرط في حصول الحل ذلك الابتغاء بالمال ، والمال اسم للأعيان لا للمنافع وأيضا قال : (فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) وذلك صفة للأعيان لا للمنافع ، وأيضا قال (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) [النساء : ٤].
وأجيب عن الأوّل بأن الآية دلّت على أنّ الابتغاء بالمال (٥) جائز ، وليس فيه بيان أنّ الابتغاء بغير المال جائز أم لا.
وعن الثاني : بأنّ لفظ الايتاء كما يتناول الأعيان يتناول المنافع الملتزمة.
وعن الثّالث : أنّه خرج الخطاب على الأعمّ الأغلب.
واستدلّ المخالف بوجهين :
أحدهما : قصة شعيب في قوله لموسى (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ) [القصص : ٢٧] وشرعهم شرع لنا ما لم يرد ناسخ.
__________________
(١) أخرجه أحمد (٣ / ٤٤٥) والترمذي (١ / ٢٠٧) والبيهقي (٧ / ١٣٨) عن عامر بن ربيعة به.
وقال الترمذي : حديث حسن صحيح.
والحديث ذكره ابن أبي حاتم في «العلل» (١ / ٤٤٤) رقم ١٢٧٦ ونقل عن أبيه أنه منكر.
(٢) أخرجه الدارقطني (٣ / ٢٤٢) وأبو نعيم في «تاريخ أصفهان» (١ / ٢٩٣) عن جابر بن عبد الله مرفوعا.
(٣) أخرجه البخاري (٧ / ٣٠) كتاب النكاح باب السلطان ولي من لا وليّ له حديث (٥١٣٥) ومسلم (٤ / ١٤٣) ومالك (٢ / ٥٢٦) وأبو داود (٢١١١) والنسائي (٢ / ٨٦) والترمذي (١ / ٢٠٧) والدارمي (٢ / ١٤٢) وابن ماجه (١٨٨٩) وابن الجارود (٧١٦) والطحاوي (٢ / ٩) وأحمد (٥ / ٣٣٠ ، ٣٣٦) والحميدي (٩٢٨) من طريق أبي حازم عن سهل بن سعد مرفوعا.
وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح.
(٤) وهذا مذهب الشافعي. ينظر : تفسير الرازي ١٠ / ٣٩.
(٥) في أ : بالأموال.