قوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(٢٥)
قوله تعالى (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ) الآية «من» شرطية وهو الظّاهر ، ويجوز أن تكون موصولة ، وقوله (فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) إما جواب الشّرط ، وإمّا خبر الموصول ، وشروط دخول الفاء في الخبر موجودة و (مِنْكُمْ) في محلّ نصب على الحال من فاعل (يَسْتَطِعْ) وفي نصب (طَوْلاً) ثلاثة أوجه :
أظهرها : أنّه مفعول ب «يستطيع» وفي قوله (أَنْ يَنْكِحَ) على هذا ثلاثة أوجه :
أحدها : أنّه في محلّ نصب ب «طولا» على أنّه مفعول بالمصدر المنون ؛ لأنّه مصدر ؛ وطلت الشيء أي : نلته ، والتّقدير : ومن لم يستطع أن ينال نكاح المحصنات [المؤمنات] ، ومثله قول الفرزدق: [الكامل]
١٧٨٤ ـ إنّ الفرزدق صخرة ملمومة |
|
طالت فليس ينالها الأوعالا (١) |
أي : طالت الأوعال فلم تنلها ، وإعمال المصدر المنوّن كثير قال الشّاعر : [الوافر]
١٧٨٥ ـ بضرب بالسّيوف رؤوس قوم |
|
أزلنا هامهنّ عن المقيل (٢) |
وقول الله تعالى (أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً ذا) [البلد : ١٤ ، ١٥] وهذا الوجه ذهب إليه الفارسي.
الثاني : (أَنْ يَنْكِحَ) بدل من (طَوْلاً) بدل الشّيء من الشّيء ؛ لأنّ الطول هو القدرة ، أو الفضل ، والنّكاح قدرة وفضل.
الثّالث : أنّه على حذف حرف الجرّ ، ثم اختلف هؤلاء ، فمنهم من قدّره ب «إلى» أي : طولا إلى أن ينكح المحصنات ، ومنهم من قدّره باللام أي : لأن ينكح ، وعلى هذين التّقديرين ، فالجارّ (٣) في محلّ الصّفة لطولا ، فيتعلّق بمحذوف ، ثمّ لما حذف حرف الجرّ فالخلاف المشهور في محل «أن» أنصب هو أم جرّ؟.
__________________
(١) ينظر البيت في البحر المحيط ٣ / ٢٣٠ ، والدر المصون ٢ / ٣٤٨.
(٢) البيت للمرار بن منقذ التميمي ينظر في المقاصد النحوية ٣ / ٤٩٩ ، شرح أبيات سيبويه ١ / ٣٩٣ ، وشرح الأشموني ٢ / ٣٣٣ ، وشرح ابن عقيل ص ٤١١ ، وشرح المفصل ٦ / ٦١ ، والكتاب ١ / ١١٦ ، ١٩٠ ، واللمع ص ٢٧٠ ، والمحتسب ١ / ٢١٩ ، والدر المصون ٢ / ٣٤٨.
(٣) في أ : فالجواب.