وأنّ التقدير : ومن لم يستطع منكم [طولا](١) أن ينكح المحصنات المؤمنات فلينكح بعضكم من بعض الفتيات ، فبعضكم فاعل ذلك [الفعل](٢) المقدّر ، فعلى هذا يكون قوله (وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ) معترضا بين ذلك الفعل المقدّر وفاعله ، ومثل هذا لا ينبغي أن يقال.
فصل
قال ابن عباس : يريد بقوله (فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) أي : فليتزوّج جارية أخيه (٣) ، فإنّ الإنسان لا يجوز له أن يتزوّج بجارية نفسه ، والفتيات المملوكات جمع فتاة تقول العرب للأمة : فتاة ، وللعبد : فتى ، قال عليهالسلام : «لا يقولنّ أحدكم عبدي ، ولا أمتي ، ولكن ليقل فتاي وفتاتي» ويقال للجارية الحديثة : فتاة ، والغلام : فتى ، والأمة تسمى فتاة.
قوله : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ) جملة من مبتدأ وخبر جيء بها بعد قوله (مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ) لتفيد أنّ الإيمان الظّاهر كاف في نكاح الأمة المؤمنة ظاهرا ولا يشترط في ذلك أن يعلم إيمانها علما يقينا ، فإنّ ذلك لا يطلع عليه إلا الله تعالى ، وفيه تأنيس أيضا بنكاح الإماء ، فإنّهم كانوا يفرون من ذلك.
قال الزّجّاج : «المعنى : احملوا (٤) فتياتكم على ظاهر الإيمان ، والله أعلم بالسّرائر».
قوله تعالى : (بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) مبتدأ وخبر أيضا ، جيء بهذه الجملة أيضا تأنيسا بنكاح الأمة [كما تقدّم ، والمعنى : أنّ بعضكم من جنس بعض في النّسب والدين ، فلا يدفع الحر عن نكاح الأمة ، عند الحاجة إليه ، وما أحسن قول أمير المؤمنين عليّ رضي الله عنه](٥) : [البسيط]
١٧٨٦ ـ والنّاس من جهة التّمثيل أكفاء |
|
أبوهم آدم والأمّ حوّاء (٦) |
والحكمة في ذكر هذه الكلمة أنّ العرب كانوا يتفاخرون (٧) بالأنساب ، فأخبر تعالى أن ذلك لا يلتفت إليه ؛ لأنّ الإيمان أعظم الفضائل ، وإذا حصل الاشتراك (٨) فيه فلا يلتفت إلى ما وراء ذلك.
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) سقط في أ.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ (١٨٦) عن ابن عباس وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٢٥٣) وزاد نسبته لابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في «سننه».
(٤) في أ : اعملوا.
(٥) سقط في أ.
(٦) ينظر : ديوانه (٧) ، الدر المصون ٢ / ٣٥٠ ، والبحر المحيط ٣ / ٢٣٢ ، والكشاف ١ / ٥٠٠.
(٧) في ب : يفتخرون.
(٨) في أ : الإشراك.