قال تعالى (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَعْنَتَكُمْ) أي : لشدّد الأمر عليكم ، وأريد به هاهنا ما يجرّ إليه الزّنا من العذاب الدّنيويّ ، والأخرويّ.
وقال بعض المفسّرين : إنّ الشّبق الشّديد في حقّ النساء قد يؤدّي إلى اختناق (١) الرّحم ، وأمّا في حقّ (٢) الرّجال فقد يؤدي إلى أوجاع الوركين والظهر والأوّل هو اللائق ببيان القرآن.
و «منكم» : حال من الضّمير في «خشي» أي : في حال كونه منكم ، ويجوز أن تكون «من» للبيان.
قوله : (وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ). مبتدأ وخبر لتأوله بالمصدر وهو كقوله (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) [البقرة : ٢٣٧] والمعنى وأن تصبروا عن نكاح الإماء متعفّفين خير لكم لما بيّنا من المفاسد الحاصلة في هذا النّكاح.
قال عليه الصلاة والسلام : «الحرائر صلاح البيت ، والإماء هلاكه» (٣).
وقال الشاعر :
١٧٨٧ ـ ومن لم يكن في بيته قهرمانة |
|
فذلك بيت لا أبالك ضائع (٤) |
وقال الآخر : [الطويل]
١٧٨٨ ـ إذا لم يكن في منزل المرء حرّة |
|
تدبّره ضاعت مصالح داره (٥) |
فصل
مذهب أبي حنيفة وأحمد : أنّ الاشتغال (٦) بالنّكاح أفضل من الاشتغال بالنّافلة ، فإن قالوا بهذا سواء كان نكاح حرّة أو نكاح أمة فهذه الآية نصّ في بطلان قولهم ، وإن قالوا : إنّا لا نرجّح نكاح الأمة على النّافلة ، فحينئذ يسقط (٧) استدلالهم.
ثم قال : (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) وهذا كالمؤكّد لما ذكره ؛ لأنّ الأولى ترك هذا النّكاح يعني أنّه وإن حصل ما يقتضي المنع من هذا النّكاح إلا أنّه تعالى أباحه لاحتياجكم إليه ، فكان ذلك من باب المغفرة والرّحمة.
قوله تعالى : (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)(٢٦)
للنّاس في مثل التركيب مذاهب ، فمذهب البصريين أنّ مفعول «يريد» محذوف
__________________
(١) في أ : اعتاق.
(٢) في أ : حال.
(٣) تقدم.
(٤) ينظر : روح المعاني ٥ / ١٢.
(٥) تقدم.
(٦) في أ : الاستعمال.
(٧) في ب : يحصل.