الآية إشكال ، وهو أنّ الحقّ إمّا أن يكون قول أهل السّنّة [من أنّ فعل العبد](١) مخلوق لله [وإمّا أن الحقّ قول المعتزلة : من أنّ فعل العبد ليس مخلوق الله تعالى ؛ والآية مشكلة على القولين](٢) أمّا على الأوّل [فلأنّ](٣) كلّ ما يريده الله تعالى [فإنّه](٤) يحصل ، فإذا أراد أن يتوب علينا وأحبّ أن تحصل التّوبة لكلنا ، ومعلوم أنّه ليس لذلك ، وأمّا على القول الثّاني : فهو تعالى يريد منّا أن نتوب باختيارنا ، وفعلنا وقوله (وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ) [ظاهره](٥) مشعر بأنّه تعالى هو الّذي يخلق التّوبة فينا.
فالجواب أن قوله (وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ) صريح في أنّه تعالى هو الذي يقبل التّوبة فينا والعقل يؤكّده ؛ لأنّ التّوبة عبارة عن النّدم في الماضي ، والعزم على التّرك في المستقبل ، والنّدم والعزم من باب الإرادات ، والإرادة لا يمكن إرادتها وإلا لزم التّسلسل ؛ فإذن الإرادة يمتنع أن تكون فعل الإنسان فعلمنا أن هذا النّدم والعزم لا يحصلان إلا بتخليق الله تعالى فدلّ البرهان العقليّ على صحّة ما أشعر به القرآن ، وهو أنّه تعالى [هو](٦) الذي يتوب علينا.
وإن قالوا : لو تاب علينا لحصلت هذه التّوبة [لهم فزاد هذا الإشكال والله أعلم](٧).
فنقول : قوله تعالى (وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ) خطاب مع الأمّة ، وقد تاب عليهم في نكاح الأمهات والبنات وسائر المنهيّات المذكورة في هذه الآيات وحصلت هذه التّوبة لهم فزال الإشكال والله أعلم.
[ثم قال (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) أي :](٨) [عليم](٩) بمصالح عباده حكيم في أمر دينهم ودنياهم وحكيم فيما دبّر من أمورهم.
قوله تعالى : (وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً)(٢٧)
قوله تعالى : (وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ) زعم بعضهم أنّ [في] قوله (وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ) تكريرا لقوله (وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ) المعطوف على التّبيين.
قال عطيّة (١٠) : وتكرار إرادة الله تعالى التّوبة على عباده تقوية للإخبار الأوّل وليس القصد في الآية إلا الإخبار عن إرادة الذين يتبعون الشّهوات فقدمت إرادة الله توطئة مظهرة لفساد إرادة مبتغي الشّهوات ، وهذا الذي قاله إنّما يتمشّى على أنّ المجرور باللام في قوله (لِيُبَيِّنَ) مفعول به للإرادة لا على كونه علّة ، وقد تقدّم أنّ ذلك قول الكوفيّين ،
__________________
(١) (٢) (٣) (٤) (٥) (٦) (٧) سقط في ب.
(٨) (٩) سقط في ب.
(١٠) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٤٠.