[كثيرة](١) ، فلمّا لم يكن المراد إن تجتنبوا الكفر بأنواعه ، يغفر لكم ما وراءه ، وهذا احتمال ظاهر مطابق لقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [النساء : ٤٨] ، سقط استدلالهم بذلك.
فصل
قال القرطبيّ (٢) : قال الأصوليّون : لا يجب القطع بتكفير الصّغائر باجتناب الكبائر ، وإنّما محمل (٣) ذلك على غلبة الظّنّ ، وقوّة الرّجاء ، والمشيئة (٤) ثابتة ، ودلّ على ذلك : أنا لو قطعنا لمجتنب الكبائر ، وممتثل الفرائض ، تكفير صغائره قطعا ؛ لكانت له في حكم المباح الذي يقطع بأن أتباعه عليه ، وذلك نقض لعرى الشّريعة ، ولا صغيرة عندنا.
قال القشيريّ (٥) : والصّحيح أنها كبائر ولكن بعضها أعظم وقعا من بعض ، والحكمة في عدم التمييز أن يجتنب العبد جميع المعاصي.
قال القرطبي : وأيضا من نظر إلى بعض المخالفة كما قال بعضهم : لا تنظر إلى صغر الذّنب ، ولكن انظر من عصيت [فإن كان الأمر كذلك](٦) كانت الذنوب بهذه النّسبة كلّها كبائر ، وعلى هذا النّحو يخرّج كلام القشيريّ ، وأبي إسحاق الإسفراييني والقاضي أبي بكر بن الطّيّب قالوا : وإنّما يقال لبعضها صغيرة بالإضافة إلى ما هو أكبر منها كما يقال : الزنا صغيرة بإضافته إلى الكفر ، والقبلة المحرّمة صغيرة بالنّسبة إلى الزّنا ، ولا ذنب عندنا يغفر باجتناب ذنب آخر ، بل كلّ ذنب كبيرة ومرتكبه في المشيئة ، غير الكفر لقوله تعالى (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [النساء : ٤٨] قالوا : هذه الآية يردّ إليها جميع الآيات (٧) المطلقة ، يزيد عليها قوله عليهالسلام : «من اقتطع حقّ امرىء مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النّار وحرّم عليه الجنّة فقال رجل : يا رسول الله ، وإن كان شيئا يسيرا فقال : وإن كان قضيبا من أراك» (٨) ، فقد جاء الوعيد الشّديد على اليسير ، كما جاء على الكثير.
وقال عبد الله بن [مسعود : «ما نهى الله عنه في تلك السّورة إلى قوله : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ) فهو كبيرة (٩).
وقال [علي] بن](١٠) أبي طلحة : الكبيرة : كلّ ذنب ختمه الله بنار ، أو غضب ، أو
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) ينظر : تفسير القرطبي ٥ / ١٠٤.
(٣) في ب : يحمل.
(٤) في ب : والسنة.
(٥) ينظر : تفسير القرطبي ٥ / ١٠٤.
(٦) سقط في أ.
(٧) في ب : الإناث.
(٨) تقدم.
(٩) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ٢٣٢) عن ابن مسعود وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٢٦٥) وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(١٠) سقط في ب.