ووهم ابن عطيّة (١) ، فنقل اتّفاق القرّاء على الهمز في نحو : (وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ) [الممتحنة : ١٠] ، وليس اتفاقهم في هذا ، بل في (وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا) كما تقدّم.
وتخفيف الهمزة لغة الحجاز ، ويحتمل أن يكون ذلك من لغة من يقول «سال يسال» بألف محضة ، وقد تقدّم تحقيق ذلك (٢) ، وهذا إنّما يتأتى في «سل» ، و «فسل» وأمّا «وسألوا» ، فلا يتأتّى فيه ذلك ؛ لأنّه كان ينبغي أن يقال : سالوا كخافوا ، وقد يقال : إنّه التزم الحذف لكثرة الورود ، وقد تقدّم في البقرة عند (سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ) [البقرة : ٢١١].
وهو يتعدّى لاثنين ، والجلالة مفعول أوّل ، وفي الثّاني قولان :
أحدهما : أنّه محذوف ، فقدّره ابن عطيّة (٣) : «أمانيّكم» وقدّره أبو عليّ الفارسيّ وغيره (٤) : شيئا من فضله ، فحذف الموصوف ، وأبقى صفته نحو : «أطعمته من اللحم» ، أي : شيئا منه ، و «من» تبعيضيّة.
والثّاني : أن «من» زائدة ، والتّقدير : «واسألوا الله فضله» ، وهذا إنّما يتمشّى على رأي الأخفش لفقدان الشّرطين ، وهما تنكير المجرور ، وكون (٥) الكلام [غير موجب](٦).
فصل
قال عليهالسلام : «سلوا الله من فضله ، فإنّه يحب أن يسأل ، وأفضل العبادة انتظار الفرج» (٧) ، وقال ـ عليهالسلام ـ : «من لم يسأل الله يغضب عليه» (٨).
وقال القرطبيّ (٩) : «وهذا يدلّ على أنّ الأمر بالسّؤال لله تعالى واجب ، وهذه الآية تدلّ على أنّ الإنسان لا يجوز له أن يعيّن شيئا في الدّعاء ، والطّلب ، ولكن يطلب من
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٤٥.
(٢) آية ٢١١.
(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٤٥.
(٤) ينظر : الدر المصون ٢ / ٣٥٥.
(٥) في ب : تكوين.
(٦) سقط في ب.
(٧) أخرجه بهذا اللفظ الطبري في «تفسيره» (٨ / ٢٦٨) عن حكيم بن جبير عن رجل لم يسمه عن النبي صلىاللهعليهوسلم وأخرجه الترمذي (٥ / ٥١٤) رقم (٣٥٧١) من طريق بشر بن معاذ العقدي عن حماد بن واقد عن إسرائيل عن أبي إسحق عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود مرفوعا دون ذكر : وإن من أفضل العبادة انتظار الفرج وقال الترمذي : هكذا روى حماد بن واقد هذا الحديث وحماد بن واقد ليس بالحافظ وروى أبو نعيم هذا الحديث عن إسرائيل عن حكيم بن جبير عن رجل لم يسمه عن النبي صلىاللهعليهوسلم وحديث أبي نعيم أشبه أن يكون أصح.
والحديث عزاه ابن كثير في «تفسيره» (٢ / ٤٣٠) لابن مردويه من حديث قيس بن الربيع عن حكيم بن جبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعا.
(٨) أخرجه الترمذي (٣٣٧٣) والبخاري في «الأدب المفرد» (٦٥٨) من طريق أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا.
(٩) ينظر : تفسير القرطبي ٥ / ١٠٨.