فضل الله ـ تعالى ـ ما يكون سببا لصلاح دينه ودنياه». ثمّ قال (إِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) ومعناه : أنّه العالم بما يكون صلاحا للسّائلين.
قوله تعالى : (وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً)(٣٣)
«جعلنا» فيه ستّة أوجه ، وذلك يستدعي مقدّمة قبله ، وهو أنّ «كلّ» لا بدّ لها من شيء تضاف إليه.
قال القرطبيّ (١) : «كلّ» في كلام العرب معناها : الإحاطة والعموم ، فإذا جاءت مفردة ، فلا بدّ وأن يكون في الكلام حذف عند جميع النحويين».
واختلفوا في تقديره : فقيل تقديره : ولكلّ إنسان.
وقيل : لكلّ مال ، وقيل : لكلّ قوم ، فإن كان التّقدير : لكل إنسان ، ففيه ثلاثة أوجه :
أحدها : ولكلّ إنسان موروث (٢) جعلنا موالي ، أي : ورّاثا ممّا ترك ، ففي «ترك» ضمير عائد على «كلّ» ، وهنا تمّ الكلام.
وقيل : تقديره : ويتعلق «ممّا ترك» ب «موالي» لما فيه من معنى الوراثة ، و «موالي» : مفعول أوّ ل «جعل» ، و «جعل» بمعنى : «صيّر» ، و «لكلّ» جار ومجرور هو المفعول الثّاني ، قدّم على عامله ، ويرتفع «الولدان» على خبر مبتدأ محذوف ، أو بفعل مقدّر ، أي : يرثون مما [ترك](٣) ، كأنه قيل : ومن الوارث؟ فقيل : هم الوالدان والأقربون ، والأصل : «وجعلنا لكل ميت وراثا يرثون مما تركه هم الوالدان والأقربون».
والثّاني : أنّ التّقدير : ولكلّ إنسان موروث ، جعلنا وراثا مما ترك ذلك الإنسان. ثمّ بين الإنسان المضاف إليه «كلّ» بقوله : (الْوِلْدانِ ،) كأنه قيل : ومن هو هذا الإنسان الموروث؟ فقيل (٤) : الوالدان والأقربون ، والإعراب كما تقدّم في الوجه قبله ، إنّما الفرق بينهما أنّ الوالدين في الأوّل وارثون ، وفي الثاني موروثون ، وعلى هذين الوجهين فالكلام جملتان ، ولا ضمير محذوف في «جعلنا» ، و «موالي» مفعول أول ، و «لكل» مفعول ثان.
الثّالث : أن يكون التّقدير : ولكل إنسان وارث ممّن (٥) تركه الوالدان والأقربون جعلنا موالي ، أي : موروثين ، فيراد بالمولى : الموروث ، ويرتفع «الوالدان» ب : «ترك» ،
__________________
(١) ينظر : تفسير القرطبي ٥ / ١٠٩.
(٢) في ب : مورث.
(٣) سقط في أ.
(٤) في أ : فقال.
(٥) في ب : فمن.