الأزواج ، وما حال المرأة عند غيبة الزّوج فقد وصفها الله بقوله : (قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ ،) واعلم أنّ الغيب ، خلاف الشّهادة ، والمعنى : كونهنّ حافظات بموجب الغيب ، وهو أن تحفظ نفسها عن الزّنا ؛ لئلا يلحق الزّوج الغائب عار الزّنا ، ويلحق به الولد المتكون من نطفة غيره ، وتحفظ ماله لئلا يضيع (١) ، وتحفظ منزله عمّا لا ينبغي ، قال عليهالسلام : «خير النّساء امرأة إن نظرت إليها سرّتك ، وإن أمرتها أطاعتك ، وإن غبت عنها حفظتك في مالك (٢) ونفسها» وتلا هذه الآية.
قوله : (وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَ) لما ذكر الصالحات ذكر بعده غير الصّالحات فقال : (وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ) ، والخوف عبارة عن حالة تحصل في القلب ، عند حدوث أمر مكروه في المستقبل.
قال الشّافعيّ ـ رضي الله عنه ـ : دلالة النّشوز قد تكون قولا ، وقد تكون فعلا ، فالقول مثل أن تلبيه إذا دعاها ، وتخضع له بالقول إذا خاطبها ، ثم تغيّرت ، والفعل إن كانت تقوم إليه إذا دخل عليها ، أو تسارع إلى أمره (٣) وتبادر إلى فراشه باستبشار إذا التمسها ، ثم [إنها](٤) تغيرت عن كل ذلك ، فهذه أمارات دالة على النشوز ، فحينئذ ظنّ نشوزها ، فهذه المقدمات توجب خوف النّشوز ، وأمّا النشوز فهو معصية (٥) الزّوج ، ومخالفته ، وأصله من قولهم : نشز الشّيء إذا ارتفع ، ومنه يقال للأرض المرتفعة : «نشز» ، يقال : نشز الرّجل ينشز [وينشز](٦) إذا كان قاعدا فنهض قائما ، ومنه قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللهُ) [المجادلة : ١١] ارتفعوا أو انهضوا إلى حرب أو أمر من أمور الله تعالى.
وقال أبو منصور اللّغويّ : «النّشوز كراهية كل واحد من الزّوجين صاحبه ، يقال : نشزت تنشز ، فهي ناشز بغير هاء ، وهي السّيّئة العشرة».
وقال ابن دريد : «نشزت المرأة ، ونشست ، ونشصت بمعنى واحد».
قوله : (فَعِظُوهُنَّ) ، أي : بالتخويف (٧) من الله تعالى ، فيقال : اتّقي الله فإنّ عليك حقّا لي ، وارجعي عمّا أنت عليه ، واعلمي أنّ طاعتي فرض عليك (٨) ، فإن أصرّت على النّشوز ، فيهجرها في المضجع.
__________________
(١) في ب : عن الضياع.
(٢) في أ : مالها.
(٣) في أ : إليه.
(٤) سقط في أ.
(٥) في ب : مخالفة.
(٦) سقط في ب.
(٧) في أ : بالتخفيف.
(٨) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ٣٠٠) عن مجاهد وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٢٧٧) وزاد نسبته لابن المنذر وابن أبي حاتم.