قال ابن عبّاس (١) : (خِفْتُمْ) أي : علمتم قال : وهذا بخلاف قوله تعالى : (وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ ،) فإنّ ذلك محمول على الظّنّ ، والفرق بين الموضعين في الابتداء يظهر له أمارات النّشوز ، فعند ذلك يحصل الخوف ، وأمّا بعد الوعظ ، والهجر والضّرب إن أصرّت على النّشوز ، فقد حصل العلم بالنّشوز ، فوجب حمل الخوف ههنا على العلم.
وقال الزّجّاج (٢) : القول بأن الخوف هاهنا بمعنى اليقين خطأ ، فإنّا لو علمنا الشقاق على الحقيقة لم يحتج إلى الحكم ، وأجيب بأن وجود الشقاق وإن كان معلوما ، إلّا أنا لا نعلم أن ذلك الشّقاق صدر عن هذا ، أو عن ذلك ، فالحاجة إلى الحكمين لمعرفة هذا المعنى.
قال ابن الخطيب (٣) : ويمكن أن يقال : وجود الشّقاق في الحال (٤) معلوم ، ومثل هذا لا يحصل منه خوف ، إنّما الخوف في أنّه هل يبقى (٥) ذلك الشّقاق أم لا ، فالفائدة في بعث الحكمين ليست إزالة الشّقاق الثّابت ، فإنّ ذلك محال ، بل الفائدة إزالة ذلك الشّقاق في المستقبل.
قوله : (شِقاقَ بَيْنِهِما) فيه وجهان :
أحدهما : أنّ الشّقاق مضاف إلى «بين» ومعناها الظّرفيّة ، والأصل : «شقاقا بينهما» ، ولكنّه اتّسع فيه ، فأضيف الحدث إلى ظرفه وإضافة المصدر إلى الظرف جائزة لحصوله فيه ، وظرفيته باقية نحو : سرّني مسير اللّيلة ، ويعجبني صوم يوم عرفة ، ومنه : (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) [سبأ : ٣٣].
والثّاني : أنه خرج عن الظّرفيّة ، وبقي كسائر الأسماء ، كأنه أريد به المعاشرة ، والمصاحبة بين الزّوجين ، وإلى هذا ميل أبي البقاء (٦) قال «والبين هنا الوصل الكائن بين الزوجين» وللشقاق تأويلان :
أحدهما : أن كل واحد منهما يفعل ما يشقّ على صاحبه.
والثاني : أن كل واحد منهما صار في شق بالعداوة والمباينة.
فصل [معاني الشقاق]
وقد ورد الشّقاق على أربعة (٧) أوجه :
الأوّل : بمعنى الخلاف كهذه الآية ، أي : خلاف بينهما.
__________________
(١) ينظر : تفسير الرازي ١٠ / ٧٤.
(٢) ينظر السابق.
(٣) ينظر : تفسير الرازي ١٠ / ٧٤.
(٤) في أ : الحالين.
(٥) في ب : نقى.
(٦) ينظر الإملاء ١ / ١٧٩.
(٧) في ب : ثلاثة.