وقال ابن عبّاس وابن زيد : نزلت في كردم بن يزيد ، وحييّ بن أخطب ، ورفاعة بن التّابوت وأسامة بن حبيب ، ونافع بن أبي نافع ، وبحري بن عمرو ، وكانوا يأتون رجالا من الأنصار يخالطونهم ، فيقولون : لا تنفقوا أموالكم ، فإنّا نخشى عليكم الفقر ولا تدرون ما يكون ، فأنزل الله هذه الآية (١).
وقيل : إنها عامّة في البخل بالعلم والدّين والمال : لأن البخل مذموم واللفظ عامّ.
قال القرطبي (٢) : والمراد بهذه الآية في قول ابن عبّاس وغيره : اليهود ؛ لأنهم جمعوا بين الاختيال والتّفاخر ، والبخل بالمال ، وكتمان ما أنزل الله في التّوراة من صفة محمّد صلىاللهعليهوسلم ، وقيل المراد : المنافقون الذي (٣) كان إنفاقهم (٤) وإيمانهم تقية.
قوله : (وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) يعني المال ، وقيل : يبخلون بالصّدقة ، وقوله : (مِنْ فَضْلِهِ ،) يجوز أن يتعلّق ب (آتاهُمُ) أو بمحذوف على أنه حال من «ما» ، أو من العائد عليها.
قال تعالى (وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً) فصّل الله ـ تعالى ـ توعّد (٥) المؤمنين الباخلين من توعّد الكافرين ، بأن جعل الأوّل عدم المحبّة ، والثّاني عذابا مهينا.
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً)(٣٨)
قوله : (وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ) فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن يكون مرفوعا عطفا على (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ ،) والخبر : أن الله لا يظلم كما تقدم وصفه.
والثاني : مجرور عطفا على (الكافرين) أي : أعتدنا للكافرين ، والذين ينفقون أموالهم رئاء النّاس ، قاله ابن جرير.
الثالث : أنه مبتدأ ، وخبره محذوف ، أي : معذّبون أو قرينهم الشّيطان ، فعلى الأوّلين يكون من عطف المفردات ، وعلى الثالث من عطف الجمل.
قوله : (رِئاءَ النَّاسِ) فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه مفعول من أجله ، وشروط النّصب متوفّرة.
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ٣٥٣) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٢٨٩) وزاد نسبته لابن إسحق وابن المنذر وابن أبي حاتم.
والأثر ذكره ابن هشام في «السيرة النبوية» (٢ / ٢٠٨ ـ ٢٠٩).
(٢) ينظر : تفسير القرطبي ٥ / ١٢٦.
(٣) في أ : الذين.
(٤) في ب : نفاقهم.
(٥) في أ : تواعد.