يقال لمن به مرض : ماذا عليه لو كان صحيحا ، ولا يقال للمرأة : ماذا عليها لو كانت رجلا ، وللقبيح : ماذا عليه لو كان جميلا كما لا يحسن هذا القول من العاقل ، كذلك لا يحسن من الله ـ تعالى ـ.
وقال القاضي عبد الجبّار (١) : لا يجوز أن يأمر العاقل وكيله بالتّصرّف في الصّفقة (٢) ، ويحبسه بحيث لا يتمكّن من مفارقة الحبس ، ثم يقول له : ماذا عليك لو تصرّفت ، وإذا كان من يذكر مثل هذا الكلام [سفيها](٣) دل ذلك على أنّه على الله ـ تعالى ـ غير جائز واعلم أن ممّا تمسّك به المعتزلة من المدح والذّمّ والثّواب والعقاب ، معارضتهم بمسألة العلم والدّاعي.
قال ابن الخطيب (٤) : قد يحسن منه ما من غيره ؛ لأن الملك ملكه.
ثم قال : (وَكانَ اللهُ بِهِمْ عَلِيماً) أي : عليم ببواطن الأمور كما هو عليم بظاهرها ، وهذا كالرّدع للمكلّف عن القبائح من أفعال القلوب ؛ مثل النّفاق والرّياء والسّمعة.
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً)(٤٠)
لمّا بيّن أنه عليم ببواطنهم وظواهرهم ، بيّن أنّه كما علمها ، لا يظلم مثقال ذرّة منها.
قوله : (مِثْقالَ ذَرَّةٍ) فيها وجهان :
أحدهما : أنه منصوب على أنه نعت لمصدر محذوف ، أي : لا يظلم أحدا ظلما وزن ذرّة (٥) ، فحذف المفعول والمصدر ، وأقام نعته مقامه ، ولمّا ذكر أبو البقاء (٦) هذا الوجه ، قدّر قبله مضافا محذوفا ، قال تقديره : ظلما قدر مثقال ذرّة ، فحذف المصدر وصفته ، وأقام المضاف إليه مقامه ، ولا حاجة إلى ذلك ؛ لأن المثقال نفسه هو قدر من الأقدار ، جعل معيارا لهذا القدر المخصوص.
والثاني : أنه منصوب على أنه مفعول ثان ل «يظلم» ، والأوّل محذوف ؛ كأنهم ضمّنوا «يظلم» معنى «يغصب» أو «ينقص» فعدّوه (٧) لاثنين ، والأصل أن الله لا يظلم أحدا مثقال ذرّة.
والمثقال مفعال من الثّقل ، يقال : هذا على مثال هذا ، أي : وزنه ، ومعنى الآية : أنه ـ تعالى ـ لا يظلم أحدا (٨) لا قليلا ولا كثيرا ، وإنما أخرجه على أصغر ما يتعارفه النّاس ؛
__________________
(١) ينظر : السابق.
(٢) في أ : النفقة وفي الرازي الضيعة.
(٣) سقط في أ.
(٤) ينظر : تفسير الرازي ١٠ / ٨٢.
(٥) في أ : الذرة.
(٦) ينظر : الإملاء ١ / ١٨٠.
(٧) في أ : فعله.
(٨) في أ : مثقال ذرة.