السّكر الذي يعلم منه ما يقول ، ومعلوم أنّ الله ـ تعالى ـ لما حرّم الخمر بآية المائدة ، فقد رفع هذا الجواز ، فثبت أن آية المائدة ناسخة لبعض مدلولات هذه الآية.
والجواب : أن هذا نهي عن قربان الصّلاة حال السّكر ، وتخصيص الشيء بالذّكر لا يدلّ على نفي الحكم عما عداه ، إلا على سبيل الظّنّ الضّعيف ، ومثل هذا لا يكون نسخا.
فصل : التكليف بما لا يطاق
قال بعضهم : هذه الآية تدلّ على جواز التّكليف بما لا يطاق (١) ؛ لأنه ـ تعالى ـ قال : (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) ، وهذه جملة حاليّة ، فكأنه ـ تعالى ـ قال للسّكران : لا تصلّ وأنت سكران ، وهذا خطاب للسكران (٢).
والجواب عنه : بأن هذا ليس خطابا للسّكران ، بل هو خطاب للّذين آمنوا ؛ فكأنه قال : يأيّها الذين آمنوا لا تسكروا ، فقد نهى عن السّكر (٣) ؛ ونظيره قوله ـ تعالى ـ : (وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران : ١٠٢] وهو ليس (٤) نهيا عن الموت ، وإنما هو أمر بالمداومة على الإسلام ، حتى يأتيه الموت وهو في تلك الحال.
قوله : (وَلا جُنُباً)(٥) نصب على أنه معطوف على الحال قبله ، وهو قوله : (وَأَنْتُمْ سُكارى) عطف المفرد على الجملة لمّا كانت في تأويله ، وأعاد معها «لا» تنبيها على أنّ النّهي عن قربان الصّلاة مع كل واحد من هذين الحالين على انفرادهما ، فالنّهي عنها مع
__________________
(١) اختلف قول أبي الحسن الأشعري في جواز التكليف بما لا يطاق نفيا وإثباتا ، وذلك كالجمع بين الضدّين ، وقلب الأجناس ، وإيجاد القديم وإعدامه ونحوه وميله في أكثر أقواله إلى الجواز ، وهو لازم على أصله في اعتقاد وجوب مقارنة القدرة الحادثة للمقدور بها ، مع تقدّم التكليف بالفعل على الفعل ، وأن القدرة الحادثة غير مؤثرة في مقدروها ، بل مقدورها مخلوق لله تعالى.
ولا يخفى أن التكليف بفعل الغير حالة عدم القدرة عليه تكليف بما لا يطاق.
وهذا هو مذهب أكثر أصحابه وبعض معتزلة بغداد ؛ حيث قالوا بجواز تكليف العبد بفعل في وقت علم الله تعالى أنه يكون ممنوعا عنه ، والبكرية ؛ حيث زعموا أنّ الختم والطبع على الأفئدة مانعان من الإيمان مع التكليف به ، غير أن من قال بجواز ذلك من أصحابه اختلفوا في وقوعه نفيا وإثباتا ، ووافقه على القول بالنفي بعض الأصحاب ، وهو مذهب البصريين من المعتزلة ، وأكثر البغداديين ، وأجمع الكلّ على جواز التكليف بما علم الله أنه لا يكون عقلا ، وعلى وقوعه شرعا ، كالتكليف بالإيمان لمن علم الله أنه لا يؤمن ؛ كأبي جهل خلافا لبعض الثنوية. والمختار إنما هو امتناع التكليف بالمستحيل لذاته ؛ كالجمع بين الضدّين ونحوه.
وجوازه في المستحيل باعتبار غيره وإليه ميل الغزالي ـ رحمهالله ـ.
وانظر تفصيل ذلك في الأحكام للآمدي ١ / ١٢٤ ، تفسير الطبري ١ / ٣٦٣.
(٢) في أ : السكران.
(٣) في ب : المسكر.
(٤) في أ : فليس.
(٥) سقط في ب.