اجتماع الحالين آكد وأولى ، والجنب مشتقّ (١) من الجنابة وهو البعد ؛ قال : [الطويل]
١٨٠٣ ـ فلا تحرمنّي نائلا عن جنابة |
|
فإنّي امرؤ وسط القباب غريب (٢) |
وسمي الرّجل جنبا ؛ لبعده عن الطّهارة ؛ أو لأنّه ضاجع بجنبه ومسّ به ، والمشهور أنه يستعمل بلفظ واحد كالمفرد والمثنّى والمجموع ، والمذكّر والمؤنّث ، ومنه الآية الكريمة.
قال الزمخشري : لجريانه مجرى المصدر (٣) الذي هو الإجناب ، ومن العرب من يثنّيه فيقول جنبان ويجمعه جمع سلامة (٤) فيقول : جنبون (٥) ، وتكسيرا فيقول : أجناب ، ومثله في ذلك شلل ، وقد تقدّم تحقيق ذلك.
قوله : (إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ) فيه وجهان :
أحدهما : أنه منصوب على الحال فهو استثناء مفرّغ ، والعامل فيها فعل النّهي ، والتّقدير : «لا تقربوا الصلاة في حال [الجنابة إلا في حال السفر](٦) أو عبور المسجد (٧) على حسب القولين.
وقال الزّمخشريّ : (إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ) استثناء من عامّة أحوال المخاطبين ، وانتصابه على الحال.
فإن قلت : كيف جمع بين هذه الحال ، والحال التي قبلها.
قلت : كأنه قيل : لا تقربوا الصّلاة في حال الجنابة : إلا ومعكم حال أخرى تعتذرون (٨) فيها : السّفر وعبور السّبيل عبارة عنه.
والثّاني : أنه منصوب على أنه صفة لقوله «جنبا» وصفه ب «إلّا» بمعنى «غير» ، فظهر الإعراب فيما بعدها ، وسيأتي لهذا مزيد بيان عند قوله ـ تعالى ـ : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) [الأنبياء : ٢٢] كأن قيل : «لا تقربوها جنبا غير عابري سبيل» ، أي : جنبا مقيمين غير معذورين ، وهذا (٩) معنى واضح على تفسير العبور بالسّفر ، وهذا قول عليّ وابن عبّاس ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد قالوا : معناه إلّا أن تكونوا (١٠) مسافرين ولا تجدون الماء فتيمّموا ؛ منع الجنب من الصّلاة [حتى يغتسل ، إلا أن يكون في سفر ولا يجدها فيصلّي بالتيمم وأمّا من قدّر مواضع الصّلاة](١١) فالمعنى عنده : لا تقربوا المساجد
__________________
(١) في أ : مشتقا.
(٢) تقدم برقم ١٧٩٤.
(٣) في أ : الصدر.
(٤) في أ : سلامته.
(٥) في ب : جنوب.
(٦) سقط في أ.
(٧) في أ : المساجد.
(٨) في أ : تقدرون.
(٩) في ب : وهاهنا.
(١٠) في أ : يكونوا.
(١١) سقط في أ.