جنبا إلا مجتازين ؛ لكونه لا ممرّ (١) سواه ، وهو قول عبد الله بن مسعود ، وسعيد بن المسيّب ، والحسن ، وعكرمة ، والنّخعي ، والزّهري ، وذلك أن قوما من الأنصار ، كانت أبوابهم في المسجد ، فتصيبهم الجنابة ولا ماء عندهم ، ولا ممرّ لهم إلّا في المسجد ، فرخّص لهم في العبور ، قالوا : والمراد من الصّلاة هنا : موضع الصّلاة ؛ لقوله ـ تعالى ـ : (وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ) [الحج : ٤٠] والمعنى : لا تقربوا المسجد وأنتم جنب ، إلا مجتازين فيه للخروج منه ، مثل أن ينام في المسجد ، فيجنب أو تصيبه جنابة والماء في المسجد ، والعبور الجواز ؛ ومنه : «ناقة عبر الهواجر» قال : [الكامل]
١٨٠٤ ـ عيرانة سبح اليدين شملّة |
|
عبر الهواجر كالهزفّ الخاضب (٢) |
وقوله : (حَتَّى تَغْتَسِلُوا) ؛ كقوله : (حَتَّى تَعْلَمُوا) فهي متعلّقة بفعل النّهي.
فصل : حكم عبور المسجد للجنب
اختلفوا في عبور المسجد للجنب ، فأباح الحسن ومالك والشّافعيّ المرور فيه على الإطلاق ، وهو قول أصحاب الرأي ، وقال بعضهم : يتيمّم (٣) للمرور فيه ، وأما المكث فلا يجوز عند أكثر العلماء ؛ لقول النّبي صلىاللهعليهوسلم «وجّهوا [هذه البيوت عن المسجد](٤) فإنّي لا أحلّ المسجد لحائض ولا جنب» (٥) وجوّز أحمد المكث فيه ، وضعّف الحديث ؛ لأن راويه مجهول.
قوله : (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى) جمع مريض ، وأراد به مرضا يضرّه أساس الماء كالجدري والقروح العظيمة ، أو كان على موضع طهارته جراح (٦) يخاف من استعمال الماء التّلف ، أو زيادة المرض ، فإنه يصلّي بالتّيمّم وإن كان موجودا ، وإن كان بعض أعضاء طهارته صحيحا والبعض جريحا ، غسل الصّحيح ، وتيمّم عن الجريح ؛ لما روى جابر ؛ قال : خرجنا في سفر ، فأصاب رجلا منا حجر ، فشجّه في رأسه فاحتلم ، فسأل أصحابه هل تجدون رخصة في التّيمّم؟ قالوا : ما نجد لك رخصة في التّيمّم ، وأنت تقدر على الماء ، فاغتسل فمات ، فلمّا قدمنا على النّبي صلىاللهعليهوسلم أخبرناه (٧) بذلك ، فقال : قتلوه قتلهم الله ألا سألوا إذ لم يعلموا ، فإنما شفاء العيّ السّؤال ، إنما كان يكفيه أن يتيمم ، ويعصر أو يعصب ـ شك الراوي ـ على جرحه
__________________
(١) في أ : فهو.
(٢) ينظر البيت في القرطبي ٥ / ١٣٤ ، والبحر ٣ / ٢٦٧ والدر المصون ٢ / ٣٧٠.
(٣) في أ : تيمم.
(٤) بياض في ب.
(٥) أخرجه أبو داود (١ / ١٥٧) كتاب الطهارة باب في الجنب يدخل المسجد (٢٣٢) والبخاري في «التاريخ الكبير» (١ / ٢ / ٦٧ ـ ٦٨) من طريق أفلت بن خليفة حدثني جسرة بنت دجاجة قالت سمعت عائشة تقول : جاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد فقال ... فذكره.
وقال البخاري : وجسرة عندها عجائب.
(٦) في أ : جراح.
(٧) في أ : أخبر.