يؤدّي إلى أن يكون ما بعد «إلّا» موافقا لما قبلها في المعنى ، والاستثناء يلزم أن يكون ما بعد إلا مخالفا لما قبلها فيه.
فصل : الخلاف في القليل الوارد في الآية
معنى الكلام : فلا يؤمن منهم إلّا أقوام قليلون ، واختلفوا في ذلك القليل :
فقال بعضهم : هو عبد الله بن سلام ، ومن أسلم معه منهم.
وقيل : القليل صفة للإيمان ، والتّقدير : فلا يؤمنون إلا إيمانا قليلا ، فإنّهم كانوا يؤمنون بالله والتّوراة [وموسى](١) ، والتّقدير : فلا يؤمنون إلا بموسى ، ولكنّهم كانوا يكفرون بسائر الأنبياء ، ورجّح أبو عليّ الفارسيّ هذا القول ؛ قال : لأن (قَلِيلاً) لفظ مفرد ، والمراد به الجمع ، قال ـ تعالى ـ : (وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) [النساء : ٦٩] ، وقال : (وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً يُبَصَّرُونَهُمْ) [المعارج : ١٠ ، ١١] فدلّ عود الذكر مجموعا إلى الآيتين على أنّه أريد بهما الكثرة.
فصل : الاستدلال بالآية على جواز تكليف ما لا يطاق
استدل بعض العلماء بهذه الآية مع الآية التي بعدها ، على جواز تكليف ما لا يطاق ؛ لأنه ـ تعالى ـ أخبر عنهم في هذه الآية بأنّهم لا يؤمنون ، وخبره ـ تعالى ـ صدق وحقّ ، ثم أمرهم في الآية التي بعدها بالإيمان ، فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا) فأمرهم بالإيمان مع إخباره بأنّهم لا يؤمنون.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً)(٤٧)
(٢) وذلك أن النّبي صلىاللهعليهوسلم كلّم أحبار اليهود : عبد الله بن صوريا ، وكعب بن الأشرف (٣) ، فقال : يا معشر اليهود ، اتّقوا الله وأسلموا ، والله إنكم تعلمون أن الّذي جئتكم به الحقّ ، قالوا : ما نعرف ذلك ، وأصرّوا على الكفر ؛ فنزلت هذه الآية.
فإن قيل : كان يجب أن يأمرهم بالنّظر والتفكّر في الدّلائل ، حتى يكون إيمانهم استدلاليّا ، فلما أمرهم بالإيمان ابتداء ؛ فكأنه ـ تعالى ـ أمرهم بالإيمان على سبيل التّقليد.
فالجواب : أن هذا خطاب مع أهل الكتاب ، وكانوا عالمين بها في التّوراة ؛ ولهذا قال : (مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ) أي : من الآيات الموجودة في التّوراة الدّالة على نبوّة محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ.
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) سقط في ب.
(٣) في أ : أسد.