فإن قيل : إنّ تعليقه على المشيئة ، لا ينافي وجوبه ؛ كقوله تعالى : (بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ)، ثمّ إنّا نعلم أنّه لا يزكّي إلّا من يكون أهلا للتّزكية ، وإلّا فكانت كذبا.
واعلم : أنه ليس للمعتزلة في مقابلة هذه الوجوه كلام يلتفت إليه ، [إلا المعارضة بآيات الوعيد](١).
قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً)(٤٩)
قد تقدّم الكلام على مثل قوله : (أَلَمْ تَرَ) ، وقوله : «بل» ، إضراب عن تزكيتهم أنفسهم ، وقدّر أبو البقاء (٢) قبل هذا الإضراب جملة ؛ قال : تقديره : أخطؤوا ،(بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ).
[وقوله : (وَلا يُظْلَمُونَ) ، يجوز أن يكون حالا ممّا تقدّم ، وأن يكون مستأنفا ، والضمير في «يظلمون» يجوز أن يعود على (مَنْ يَشاءُ)](٣) أي : لا ينقص من تزكيتهم شيئا ، وإنّما جمع الضمير ؛ حملا على معنى «من» وأن يعود على الذين يزكون ، وأن يعود على القبيلين من زكّى نفسه ، ومن زكّاه الله ، فذاك لا ينقص من عقابه شيئا ، وهذا لا ينقص من ثوابه شيئا ، والأوّل أظهر ؛ لأن «من» أقرب مذكور ، ولأنّ «بل» إضراب منقطع (٤) ما بعدها عمّا قبلها.
وقال أبو البقاء (٥) : ويجوز أن يكون مستأنفا ، أي : من زكّى نفسه ، ومن زكّاه الله. انتهى.
فجعل عود الضمير على الفريقين ؛ بناء على وجه الاستئناف ، وهذا غير لازم [بل](٦) يجوز عوده عليهما ، والجملة حاليّة.
و (فَتِيلاً) مفعول ثان ؛ لأن الأول قام مقام الفاعل ، ويجوز أن يكون نعت مصدر محذوف ، كما تقدّم تقديره في : (مِثْقالَ ذَرَّةٍ) [النساء : ٤٠] ، والفتيل : خيط رقيق في شقّ النّواة [يضرب به المثل في القلّة ، قاله ابن السّكيت ، وغيره.
وقيل : هو ما خرج من بين إصبعيك ، أو كفّيك من الوسخ](٧) حين تفتلهما (٨) ، فهو فعيل بمعنى مفعول ، وقد ضرب العرب المثل في القلّة التافهة بأربعة أشياء ، اجتمعت في النواة ، وهي : الفتيل ، والنّقير : وهو النّقرة التي في ظهر النّواة ، والقطمير : هو القشر [الرقيق](٩) فوقها [وهذه الثلاثة واردة في الكتاب العزيز ، والثّفروق : وهو ما
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) ينظر : الإملاء ١ / ١٨٣.
(٣) سقط في أ.
(٤) في أ : فيقطع.
(٥) ينظر : الإملاء ١ / ١٨٣.
(٦) سقط في ب.
(٧) سقط في ب.
(٨) في أ : حتى يفتلها.
(٩) سقط في ب.