فالجواب : إنّما قال ذلك حين قال المنافقون له : اعدل في القسمة ؛ ولأنّ الله تعالى لمّا زكّاه أوّلا بقيام المعجزة ، جاز له ذلك ، بخلاف غيره.
قوله تعالى : (انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَكَفى بِهِ إِثْماً مُبِيناً)(٥٠)
(كَيْفَ) منصوب ب (يَفْتَرُونَ) وتقدم الخلاف فيه ، والجملة في محلّ نصب ، بعد إسقاط الخافض ؛ لأنّها معلقة (١) ل «انظر» و «انظر» يتعدى ب «في» ؛ لأنها ـ هنا ـ ليست بصريّة ، و (عَلَى اللهِ) متعلّق ب (يَفْتَرُونَ ،) وأجاز أبو البقاء (٢) : أن يتعلّق بمحذوف ، على أنه حال من الكذب ، قدّم عليه ، قال : «ولا يجوز أن يتعلق بالكذب ؛ لأن معمول المصدر لا يتقدّم عليه ، فإن جعل على التّبيين جاز» ، وجوّز ابن عطية (٣) : أن يكون «كيف» مبتدأ ، والجملة من قوله (يَفْتَرُونَ) الخبر ، وهذا فاسد ، لأن «كيف» لا ترفع بالابتداء ، وعلى تقدير ذلك ، فأين الرّابط (٤) بينها وبين الجملة الواقعة خبرا عنها ولم تكن نفس (٥) المبتدأ ، حتى تستغني عن رابط ، و (إِثْماً) تمييز ، والضمير في «به» عائد على الكذب ، وقيل : على الافتراء وجعله الزمخشريّ (٦) عائدا على زعمهم ، يعني : من حيث التقدير.
فصل في تعجيب النبي صلىاللهعليهوسلم من اليهود
هذا تعجيب للنبيّ صلىاللهعليهوسلم من فريتهم (٧) على الله ، وهو تزكيتهم أنفسهم وافتراؤهم (٨) ، وهو قولهم : (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) [المائدة : ١٨].
فصل في حمعنى الكذب
الكذب : هو الإخبار عن الشيء على خلاف المخبر عنه ، سواء علم قائله كونه كذلك ، أو لا يعلم ، وقال الجاحظ (٩) : شرط كونه كذبا ، أن يعلم القائل كونه بخلاف ذلك ، وهذه الآية دليل عليه ؛ لأنّهم كانوا يعتقدون في أنفسهم الزّكاء ، والطّهارة : وكذبهم (١٠) الله فيه.
وقوله : (وَكَفى بِهِ إِثْماً مُبِيناً) يقال في المدح ، وفي الذّمّ ، أمّا في المدح : فكقوله (وَكَفى بِاللهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللهِ نَصِيراً) [النساء : ٤٥] وأمّا في الذم ؛ فكما في هذا الموضع.
قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً)(٥١)
قال المفسّرون (١١) : خرج كعب بن الأشرف ، وحييّ بن أخطب ، في سبعين راكبا
__________________
(١) في ب : متعلقة.
(٢) ينظر : الإملاء ١ / ١٨٣.
(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٦٦.
(٤) في ب : الربط.
(٥) في ب : نفسها.
(٦) ينظر : الكشاف ١ / ٥٢١.
(٧) في ب : تغريهم.
(٨) في ب : وأفواءهم.
(٩) ينظر : تفسير الرازي ١٠ / ١٠٢.
(١٠) في ب : فكذبهم.
(١١) ينظر : معالم التنزيل ١ / ٤٤١ وتفسير الرازي ١٠ / ١٠٣ وتفسير القرطبي ٥ / ١٦١.