ثُقِفُوا) [الأحزاب : ٦١] وإنّما استحقّوا هذا اللّعن ، لتفضيلهم عبدة الأوثان على المؤمنين بمحمد صلىاللهعليهوسلم.
قوله تعالى : (أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً (٥٣) أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً (٥٤) فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً)(٥٥)
لمّا وصف [تعالى](١) اليهود بالجهل في الآية المتقدمة ؛ لتفضيلهم عبادة الأوثان على عبادة الله تعالى ، وصفهم في هذه الآية بالبخل والحسد ، وهذا على سبيل الإنكار.
والبخل : ألّا يدفع إلى أحد شيئا مما أوتي من النعمة ، [والحسد : أن يتمنّى ألّا يعطي الله غيره شيئا من النّعم](٢) فها يشتركان في إرادة منع النعمة من الغير ، وإنما قدّم وصف الجهل على وصف البخل ، والحسد ؛ لأن الجهل سببها ؛ وذلك لأنّ البخيل ، والحاسد يجهلان أنّ الله تعالى هو الذي أعطى هذا ، ومنع هذا.
واعلم أنّه تعالى جعل بخلهم كالمانع من حصول الملك لهم ، وهذا يدلّ على أنّ الملك والبخل لا يجتمعان ؛ وذلك لأنّ الانقياد (٣) [للغير مكروه لذاته ، وإنما يحمل الإنسان على الانقياد للغير](٤) بالإحسان الحسن (٥) ؛ كما قيل : «بالبر يستعبد الحر» ، فمتى لم يوجد الإحسان ، لم يوجد الانقياد (٦) ، ثمّ قد يكون الملك على الظّاهر فقط ؛ وهو ملك الملوك ، وقد يكون الملك على الباطن فقط ؛ وهو ملك العلماء وقد يكون الملك عليهما ؛ وهو ملك الأنبياء ، فوجب في الأنبياء أن يكونوا في غاية (٧) الجود ، والكرم ، والرّحمة ، والشّفقة ؛ حتّى يحصل الانقياد بالباطن والظّاهر ، وكمال هذه الصفات كان حاصلا لمحمد صلىاللهعليهوسلم.
و «أم» منقطعة ؛ لفوات شرط الاتّصال ، كما تقدم أوّل البقرة فتقدر ب «بل» ، والهمزة التي يراد بها الإنكار ، وكذلك هو في قوله : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ) وقال بعضهم (٨) : الميم صلة ، وتقديره : ألهم ؛ لأنّ حرف «أم» إذا لم يسبقه استفهام ، كانت الميم صلة فيه ، وقيل : «أم» هنا متصلة ، وقد سبقه ـ هاهنا ـ استفهام على سبيل المعنى ؛ لأنّه لمّا حكى قولهم للمشركين بأنّهم أهدى سبيلا من المؤمنين عطف عليه قوله (أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ) فكأنّه قال : أمن ذلك يتعجّب؟ أم من كونهم لهم نصيب من الملك ؛ مع أنّه لو كان لهم ملك ، لبخلوا بأقلّ القليل؟.
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) سقط في ب.
(٣) في ب : الانقياد والمعين الإحسان له.
(٤) سقط في ب.
(٥) في ب : فإحسان المحسن.
(٦) في ب : فمتى لم يوجد الإحسان لم يوجد الانقياد.
(٧) في أ : نهاية.
(٨) ينظر : تفسير الرازي ١٠ / ١٠٥.