وكلتا القراءتين على البناء للمفعول ، إلا أنّ المضاعف الثّلاثيّ ، كالمعتلّ العين منه ، فيجوز في أوله ثلاث لغات : إخلاص الضّمّ ، وإخلاص الكسر ، والإشمام.
قوله : (وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً ،) أي : كفى بجهنّم [في](١) عذاب الكفّار سعيرا والسّعير : الوقود ، وهو تمييز ، فإن كان بمعنى التهاب واحتراق ، فلا بدّ من حذف مضاف ، أي : كفى بسعير جهنّم سعيرا ؛ لأنّ توقّدها ، والتهابها ليس إيّاها ، وإن كان بمعنى : مسعّر (٢) ، فلا يحتاج إلى حذف.
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً)(٥٦)
قرأ الجمهور : «نصليهم» بضمّ النون من أصلى ، وحميد (٣) : بفتحها من صليت ثلاثيّا.
قال القرطبيّ (٤) : ونصب : «نارا» على هذه القراءة ، بنزع الخافض ، تقديره : بنار. وقرأ سلّام ، ويعقوب : «نصليهم» بضمّ الهاء ، وهي لغة الحجاز ، وقد تقدّم تقريره.
وقال سيبويه : «سوف» [كلمة](٥) تذكر للتّهديد ، والوعيد : يقال : سوف أفعل ، وينوب عنها حرف السين ؛ كقوله : (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ) [المدثر : ٢٦] وقد يرد «سوف» و «السّين» : في الوعد أيضا ؛ قال تعالى : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) [الضحى : ٥] ، وقال : (سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي) [مريم : ٤٧] ، وقال : (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي) [يوسف : ٩٨] ، قيل : أخّره إلى وقت السّحر ؛ تحقيقا للدعاء ، وبالجملة ، فالسّين ، وسوف : مخصوصتان بالاستقبال.
فصل في معنى قوله «بآياتنا»
يدخل في الآيات كلّ ما يدلّ على ذات الله تعالى وصفاته ، وأفعاله ، [وأسمائه](٦) ، والملائكة ، والكتب ، والرسل ؛ وكفرهم قد يكون بالجحد ، وقد يكون بعدم النّظر فيها ، وقد يكون بإلقاء الشكوك والشّبهات فيها ، وقد يكون بإنكارها ؛ عنادا ، أو حسدا.
وقوله : «نصليهم» (٧) أي : ندخلهم النار ، لكن قوله : (نُصْلِيهِمْ) فيه زيادة على ذلك ، فإنّه بمنزلة شويته بالنار ، يقال شاة مصليّة ، أي : مشويّة.
قوله : (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ ، كُلَّما :) ظرف زمان ، والعامل فيها (بَدَّلْناهُمْ) ،
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في ب : سعر.
(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٦٩ ، والبحر المحيط ٣ / ٢٨٥ ، والدر المصون ٢ / ٣٧٧.
(٤) ينظر : تفسير القرطبي ٥ / ١٦٤.
(٥) سقط في ب.
(٦) سقط في ب.
(٧) في ب : سنصليهم.