الذي لا يفعل إلّا الصّواب ، وما تقتضيه الحكمة ؛ لأنّه قد يقع في القلب تعجّب من كون الكريم الرّحيم يعذّب هذا الشخص الضّعيف إلى هذا الحدّ العظيم أبد الآباد.
فقيل : ليس هذا [بعجب] ؛ لأنه القادر الغالب ، فكما أنه رحيم فهو أيضا حكيم ، والحكمة تقتضي ذلك.
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً)(٥٧)
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُمْ فِيها)(١)(أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلاً).
اعلم أنّ الوعد والوعيد متلازمان في الذّكر غالبا ، فإنّ عادة القرآن إذا ذكر الوعيد أن يذكر معه الوعد.
قوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا) فيه ثلاثة أوجه :
أظهرها : أنه مبتدأ ، وخبره (سَنُدْخِلُهُمْ).
والثاني : أنّه في محلّ نصب ؛ عطفا على اسم «إنّ» وهو (الَّذِينَ كَفَرُوا ،) والخبر أيضا : (سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ) ويصير هذا نظير قولك : إنّ زيدا قائم وعمرا قاعد ، فعطفت المنصوب على المنصوب ، والمرفوع على المرفوع.
والثالث : أن يكون في محلّ رفع (٢) ؛ عطفا على موضع اسم «إنّ» ؛ لأن محلّه الرفع ، قاله أبو البقاء ؛ وفيه نظر ، من حيث الصناعة اللّفظيّة ، حيث يقال : (وَالَّذِينَ آمَنُوا) في موضع نصب ؛ عطفا على (الَّذِينَ كَفَرُوا ،) وأتى بجملة الوعيد مؤكّدة ب «إن» ؛ تنبيها على شدّة ذلك ، وبجملة الوعد حاليّة منه ؛ لتحققها وأنه لا إنكار لذلك ، وأتى فيها بحرف التّنفيس القريب المدّة (٣) تنبيها على قرب الوعد.
فصل في أن الإيمان غير العمل
دلت هذه الآية ، على أنّ الإيمان غير العمل ؛ لأنه تعالى عطف العمل على الإيمان ، والمعطوف مغاير للمعطوف عليه.
قال القاضي (٤) : متى ذكر لفظ الإيمان وحده ، دخل فيه العمل ، ومتى ذكر معه العمل ، كان الإيمان هو التّصديق ، وهذا بعيد ؛ لأنّ الأصل عدم الاشتراك ، وعدم التغيير (٥) ، ولو لا أنّ الأمر كذلك ، لخرج القرآن عن كونه مفيدا ، فلعلّ هذه الألفاظ التي
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في ب : نصب.
(٣) سقط في ب.
(٤) ينظر : تفسير الرازي ١٠ / ١١٠.
(٥) في ب : التعيين.