حالا من (جَنَّاتٍ ،) فيكون حالا منها لفظا ، وهي لغيرها معنى ، ولم يبرز الضّمير على رأي الكوفيّين ، ويصحّ قول أبي البقاء.
فالجواب : أنّ هذا ، لو قيل به لكان جيّدا ، ولكن لا يدفع الرّدّ عن أبي البقاء ، فإنّه خصّص مذهب الكوفيين بوجه الصّفة ، دون الحال.
فصل
ذكر الخلود والتّأبيد : فيه ردّ على جهم (١) بن صفوان ، حيث يقول : إنّ نعيم الجنّة وعذاب الآخرة (٢) ينقطعان ، وأيضا فذكره الخلود مع التّأبيد ؛ يدلّ على أنّ الخلود غير التّأبيد وإلا لزم التكرار ، وهو غير جائز ؛ فدلّ على أنّ الخلود ليس عبارة عن التّأبيد ، بل هو عبارة عن طول المكث من غير بيان أنّه منقطع ، أو غير منقطع ، وإذا ثبت هذا بطل استدلال المعتزلة بقوله تعالى : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها) [النساء : ٩٣] على أنّ صاحب الكبيرة يبقى في النّار أبدا ، لأنّ هذه الآية دلّت على أنّ الخلود طول المكث لا التّأبيد.
قوله : (لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ) (٣) مبتدأ وخبر ، ومحلّ هذه الجملة ، إمّا النّصب أو الرّفع.
فالنّصب إمّا على الحال من (جَنَّاتٍ ،) أو من الضّمير في (سَنُدْخِلُهُمْ) وإما على كونها صفة ل (جَنَّاتٍ) بعد صفة.
والرّفع على أنّه خبر بعد خبر.
فصل
المراد : طهارتهنّ من الحيض والنّفاس ، وجميع أقذار الدّنيا ، كما تقدّم في سورة البقرة.
وقوله (وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلاً).
قال الواحديّ (٤) : الظّليل ليس ينبىء (٥) عن الفعل ، حتى يقال : إنّه بمعنى : فاعل ، أو مفعول ، بل هو مبالغة في نعت الظّلّ ، مثل قولهم : «ليل أليل».
قال المفسرون : الظّليل : الكثيف الّذي لا تنسخه الشّمس ، ولا يؤذيهم برد ، ولا حرّ.
قال ابن الخطيب (٦) : واعلم أنّ بلاد العرب كانت في غاية الحرارة ، وكان الظّلّ عندهم من أعظم أسباب الرّاحة ، ولهذا المعنى ؛ جعلوه (٧) كناية عن الرّاحة.
__________________
(١) في ب : جهيم.
(٢) في ب : النار.
(٣) سقط في أ.
(٤) ينظر : تفسير الرازي ١٠ / ١١٠.
(٥) في ب : بمعنى من.
(٦) ينظر : تفسير الرازي ١٠ / ١١٠.
(٧) في ب : جعلوا.