قال عليه الصّلاة والسلام : «السّلطان ظلّ الله في الأرض» (١).
وإذا كان الظّل عبارة عن الرّاحة ؛ كان كناية عن المبالغة العظيمة في الراحة ، وبهذا يندفع سؤال من يقول : إذا لم يكن في الجنّة شمس تؤذي بحرّها ، فما فائدة وصفها بالظّلّ الظّليل؟.
وأيضا نرى (٢) في الدّنيا أنّ المواضع الّتي يدوم الظّلّ فيها ، ولا يصل نور الشّمس إليها ، يكون هواؤها فاسدا مؤذيا فما معنى وصف الجنّة بذلك ، فعلى هذا الوجه الّذي لخّصناه تندفع هذه الشّبهات.
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً)(٥٨)
لما شرح أحوال الكفّار ، وشرح وعيدهم ؛ عاد إلى التّكليف ، وأيضا لمّا حكى عن أهل الكتاب أنّهم كتموا الحقّ ، حيث قالوا للذين كفروا (هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً) أمر المؤمنين في هذه الآية بأداء الأمانات في جميع الأمور ، سواء كانت دينيّة ، أو دنيويّة.
قوله (أَنْ تُؤَدُّوا) منصوب المحلّ ، إمّا على إسقاط حرف الجرّ ؛ لأن حذفه يطّرد مع «أن» ، إذا أمن اللّبس ؛ لطولهما بالصّلة ، وإما لأنّ «أمر» يتعدى إلى الثّاني بنفسه ، نحو : أمرتك الخير ، فعلى الأوّل يجري [الخلاف في محلّها ، أهي في محلّ نصب ، أم جر ، وعلى الثّاني هي في محلّ نصب فقط ، وقرىء «الأمانة»](٣).
فصل : فيمن نزلت الآية؟
نزلت في عثمان بن طلحة بن أبي طلحة الحجبي من بني عبد الدّار ، وكان سادن الكعبة ، فلمّا دخل النبي صلىاللهعليهوسلم مكّة يوم الفتح أغلق عثمان بن طلحة باب الكعبة ، وصعد السّطح ، فطلب رسول الله صلىاللهعليهوسلم المفتاح فقيل : إنّه مع عثمان ، فطلبه (٤) منه فأبى ، وقال : لو علمت أنّه رسول الله [صلىاللهعليهوسلم](٥) لم أمنعه المفتاح ، فلوى عليّ بن أبي طالب يده ، وأخذ
__________________
(١) أخرجه البزار (١٥٩٠ ـ كشف) والقضاعي في «مسند الشهاب» (٣٠٤) من حديث عبد الله بن عمر.
وأورده الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٥ / ١٩٦) وقال : رواه البزار وفيه سعيد بن سنان أبو مهدي وهو متروك.
والحديث له لفظ آخر وهو : الإمام ظل الله في الأرض.
أخرجه أحمد (٥ / ٤٢) وابن أبي عاصم (١٠١٧ ، ١٠١٨ ، ١٠٢٤) عن أبي بكرة رضي الله عنه مرفوعا.
(٢) في ب : يرى.
(٣) سقط في أ.
(٤) في ب : فطلب.
(٥) سقط في ب.