فصل فيما يجب على القاضي نحو الخصمين
يجب على القاضي أن يسوّي بين الخصمين في الدّخول عليه ، والجلوس بين يديه ، والإقبال عليهما ، والاستماع منهما ، والحكم بينهما ، وينبغي ألا يلقّن أحدهما حجّة ، ولا شاهدا شهادته ، ولا يلقّن المدّعي الدّعوى ، والاستخلاف ، ولا يلقن المدّعى عليه الإقرار ، ولا الإنكار ، ولا يضيف أحد الخصمين دون الآخر ، ولا يجيب هو إضافة أحدهما ، ولا إلى إضافتهما ما داما متخاصمين ، وعليه التّسوية بينهما في الأفعال دون القلب ؛ لأنّه لا يمكن أن يتحرّز من ميل قلبه.
قوله : (إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ) قد تقدّم الكلام على ما المتصلة ب «نعم» ، و «بئس» إلا أنّ ابن عطيّة نقل هنا نقلا لا يبعد من وهم!.
قال (١) : و «ما» المردفة على نعم ، وبئس إنّما هي المهيئة لاتّصال الفعل كما هي في ربّما ، ومما في قوله : وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم مما يحرك شفتيه وكقول الشّاعر : [الطويل]
١٨١٣ ـ وإنّا لممّا نضرب الكبش ضربة |
|
على رأسه تلقي اللّسان من الفم (٢) |
وفي هذا بمنزلة ربّما ، ومنزلتها مخالفة في المعنى ؛ لأنّ ربّما للتّعليل ، ومما للتّكثير ومع إنما هي موطّئة ، فهي بمعنى الّذي ، وما وطّأت إلّا وهي اسم. ولكن المقصد إنما هو لما يليها من المعنى الذي في الفعل.
قال أبو حيّان (٣) وهذا متهافت ؛ لأنه من حيث جعلها موطّئة مهيّئة ، لا تكون أسماء ، ومن حيث جعلها بمعنى الّذي يلزم أن يكون اسما ، فتدافعا.
فصل : في معنى قوله «نعما يعظكم»
المعنى : نعم شيئا يعظكم به ، أو نعم الشّيء الذي يعظكم به.
والمخصوص بالمدح محذوف ، أي : نعم ما يعظكم به ذلك ، وهو المأمور به : من أداء الأمانات والحكم بالعدل ، أي : بالقسط ، ثم قال : (إِنَّ اللهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً)، أي : إذا حكمت بالعدل ، فهو يسمع ذلك ، لأنّه سميع لكلّ المسموعات ، وإن أدّيت الأمانة ، فهو
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٧٠ ، البحر المحيط ٣ / ٢٨٩.
(٢) البيت لأبي حية النميري ينظر خزانة الأدب ١٠ / ٢١٥ ، ٢١٦ ، ٢١٧ ، والدرر ٤ / ١٨١ ، وشرح شواهد المغني ص ٧٢ ، ٧٣٨ ، والكتاب ٣ / ١٥٦ ، ومغني اللبيب ص ٣١١ ، والأزهية ص ٩١ ، والأشباه والنظائر ٣ / ٢٦٠ ، والجنى الداني ص ٣١٥ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٢١٩ ، ٥١٣ ، والمقتضب ٤ / ١٧٤ ، وهمع الهوامع ٢ / ٣٥ ، ٣٨ ، والدر المصون ٢ / ٣٨١ ، والبحر المحيط ٣ / ٢٩٠ ، والتصريح ٢ / ١٠.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٢٩٠.