فالجواب عن الأوّل : أنّ جماعة من الصّحابة والتّابعين حملوا (أُولِي الْأَمْرِ) على العلماء ، فليس قولنا خارجا عنهم.
وعن الثّاني : أن الوجوه التي ذكروها ضعيفة ، لا تعارض بالبرهان القاطع الّذي ذكرناه مع أنّها معارضة (١) بوجوه :
الأوّل : أنّ طاعة الأمراء إنّما تجب فيما علم بالدّليل أنّه حقّ ، وذلك الدّليل هو الكتاب والسّنّة ؛ ليكون (٢) هذا داخلا في طاعة الله [ورسوله](٣) كما أنّ طاعة الوالدين والزّوج ، والأستاذ داخل في ذلك ، وإذا حملناه على الإجماع ، لم يدخل في (٤) ذلك ؛ لأنّه ربما ثبت بالإجماع حكم ولا دليل في الكتاب والسّنّة عليه فكان أولى.
الثاني : أنّ طاعة الأمراء إنما تجب إذا كانوا على الحقّ فطاعتهم مشروعة (٥) بالاستقامة.
الثالث : قوله : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ) يشعر بإجماع تقدّم ، وحدث بعده التّنازع.
الرابع : أنّ طاعة [أهل](٦) الإجماع واجبة قطعا ، [وأمّا طاعة](٧) الأمراء والسّلاطين فغير واجبة قطعا ، بل الأكثر تكون محرّمة ؛ لأنهم لا يأمرون إلّا بالظّلم ، وفي الأقل تكون واجبة [لهذا كان حمل الآية على الإجماع أولى](٨).
الخامس : أوامر السّلاطين موقوفة على فتاوى العلماء ؛ فالعلماء في الحقيقة أمراء ، فحمل أولي الأمر عليهم أولى ، وأمّا حمل الرّوافض الآية على الإمام المعصوم ، فيقيّد بما ذكر من أنّ طاعتهم تتوقّف على معرفتهم ، والقدرة على الوصول إليهم ، فوجوبها قبل ذلك تكليف ما لا يطاق ، وأيضا فطاعتهم مشروطة وظاهر قوله : (أَطِيعُوا) يقتضي الإطلاق ، وأيضا فقوله : (فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) لو كان المراد منه الإمام المعصوم ، لقيل : فردّوه إلى الإمام.
فصل : من المعتبر في الإجماع؟
إذا ثبت أن الإجماع حجّة ، فاعلم : أن المعتبر إجماعهم هم الذين يمكنهم استنباط الأحكام الشّرعيّة من الكتاب والسّنّة ، و [هم](٩) المسمّون بأهل الحلّ والعقد ، فهم الّذين يمتثل أمرهم ونهيهم بخلاف المتكلّم ، والمقرىء والمحدّث والعوامّ الذين لا يمكنهم الاستنباط.
__________________
(١) في ب : معارض.
(٢) في ب : يكون.
(٣) سقط في ب.
(٤) في ب : فيه.
(٥) في ب : مشروطة.
(٦) سقط في أ.
(٧) سقط في أ.
(٨) سقط في أ.
(٩) سقط في ب.