فصل : لا عبرة في الإجماع بالفرق الضالة
دلّت الآية على أنّ العبرة بإجماع المؤمنين ، فأمّا من يشكّ في إيمانه من سائر الفرق فلا عبرة بهم.
فصل : حصر الأدلة في أربعة
دلّت [هذه](١) الآية على أنّ ما سوى هذه الأصول الأربعة ، أعني : الكتاب والسّنّة والإجماع والقياس باطل ؛ لأنه ـ تعالى ـ جعل الوقائع قسمين :
أحدهما : منصوص عليه فأمر فيه بالطّاعة ، بقوله [ـ تعالى ـ](٢) : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْر).
والثاني : غير منصوص عليه [وأمر فيه بالاجتهاد بقوله ـ تعالى ـ : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ)](٣) ، ولم يزد على ذلك ؛ فدلّ على أنه ليس للمكلّف أن يتمسّك بشيء سوى هذه الأربعة ، فالقول بالاستحسان (٤) الذي تقول به الحنفيّة ،
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) سقط في أ.
(٣) سقط في أ.
(٤) جرى لفظ الاستحسان في عبارات بعض الأئمة على وجه يتوهم منه أن الاستحسان أصل من الأصول التي يرجع إليها في استنباط الأحكام ، وتعرض له علماء الأصول عند بحث الأدلة ، ونسبوا الأخذ به إلى بعض الأئمة ، ونقلوا إنكاره عن آخرين.
واستند الحنفية إلى الاستحسان في تقرير كثير من الأحكام ، ويعارضون به القياس ، فيقولون في بعض الأحكام : هذا ما يقتضيه الاستحسان وذاك ما يقتضيه القياس.
وعبر الإمام الشافعي بالاستحسان في أحكام بعض الحوادث ؛ فقال : أستحسن أن تكون المتعة ثلاثين ، وقال : أستحسن أن يؤجل الشفيع ثلاثا.
وأنكر قوم أن يكون الاستحسان دليلا شرعيا ، وشنّعوا على القائلين به ؛ ظنا منهم أن استحسان هؤلاء الأئمة من قبيل الرجوع إلى الرأي ، دون رعاية دليل شرعي ثابت ، والرجوع إلى الرأي المحض في تقرير الأحكام الشرعية لا يقول به عامي مسلم ، فضلا عن إمام بلغ رتبة الاجتهاد أو الترجيح ، ومن هنا تصدّى علماء الأصول من المالكية والحنفية لتفسير الاستحسان الوارد في عبارات أئمتهم. وبينوا أنه عائد إلى أدلة متفق عليها ، أو أدلة معروفة في مذهب المعبر به ، وحملوا قول الإمام الشافعي : «من استحسن فقد شرع» على معنى الاستحسان الذي لا يقوم على رعاية دليل شرعي ، وكذلك الأثر الذي يسوقه بعض المحتجين لصحة القول بالاستحسان وهو : «وما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن» إنما يحمل على أن المراد بالمسلمين ذوو الكفاية لاستنباط الأحكام ، فيكون دليل الاحتجاج بالإجماع.
أما المالكية فيقول محققوهم ؛ كأبي الوليد الباجي : الاستحسان هو الأخذ بأقوى الدليلين ؛ وكذلك قال ابن خويزمنداد : معنى الاستحسان عندنا القول بأقوى الدليلين ، ويضاهي هذا قول الحفيد ابن رشد : الاستحسان عند مالك هو الجمع بين الأدلة المتعارضة ، ومعنى هذا : أن الاستحسان في مذهب مالك ليس بدليل مستقل ، وإنما هو ترجيح أحد الدليلين على الآخر ؛ كأن يتعارض في حادثة جزئية قياسان أو يعارض أصلا من الأصول عرف ، أو مصلحة مرسلة ، أو سد ذريعة ، فينظر المجتهد ويرجح أحد القياسين ـ