قوله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٩) فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)(١٧٠)
«الذين» مفعول أول ، و «أمواتا» مفعول ثان ، والفاعل إما ضمير كل مخاطب ، أو ضمير الرسول صلىاللهعليهوسلم كما تقدم في نظائره وقرأ حميد بن قيس وهشام ـ بخلاف عنه ـ «يحسبن» بياء الغيبة (١) ، وفي الفاعل وجهان :
أحدهما : أنه مضمر ، إما ضمير الرسول صلىاللهعليهوسلم أو ضمير من يصلح للحسبان ـ أي : حاسب. الثاني : قاله الزمخشري : وهو أن يكون (الَّذِينَ قُتِلُوا) قال : ويجوز أن يكون (الَّذِينَ قُتِلُوا) فاعلا والتقدير : ولا يحسبنهم الذين قتلوا أمواتا ، أي : ولا يحسبن الذين قتلوا أنفسهم أمواتا.
فإن قلت : كيف جاز حذف المفعول الأول؟ قلت : هو ـ في الأصل ـ مبتدأ ، فحذف كما حذف المبتدأ في قوله : (بَلْ أَحْياءٌ) أي : هم أحياء ؛ لدلالة الكلام عليهما.
وردّ عليه أبو حيان بأن هذا التقدير يؤدي إلى تقديم الضمير على مفسره ، وذلك لا يجوز إلا في أبواب محصورة ، وعدّ منه باب ربّه رجلا ، نعم رجلا زيد ، والتنازع عند إعمال الثاني في رأي سيبويه ، والبدل على خلاف فيه ، وضمير الأمر ، قال : «وزاد بعض أصحابنا أن يكون المفسّر خبرا للضمير» وبأن حذف أحد مفعولي «ظن» اختصارا إنما يتمشى له عند الجمهور مع أنه قليل جدا ، نص عليه الفارسيّ ، ومنعه ابن ملكون ألبتة.
قال شهاب الدين : «وهذا من تحملاته عليه ، أما قوله : يؤدي إلى تقديم المضمر ... إلى آخره ، فالزمخشريّ لم يقدره صناعة ، بل إيرادا للمعنى المقصود ، ولذلك لمّا أراد أن يقدر الصناعة النحوية قدّره بلفظ «أنفسهم» المنصوبة وهي المفعول الأول ، وأظن الشيخ يتوهم أنها مرفوعة ، تأكيدا للضمير في «قتلوا» ولم يتنبه أنه إنما قدرها مفعولا أول منصوبة ، وأما تمشية قوله على مذهب الجمهور فيكفيه ذلك وما عليه من ابن ملكون ، وستأتي مواضع يضطر هو وغيره إلى حذف أحد المفعولين ، كما ستقف عليه قريبا.
وتقدم الكلام على مادة «حسب» ولغاتها ، وقراءاتها ، وقرىء «تحسبن» ـ بفتح السين (٢) ـ قاله الزمخشريّ وقرأ ابن عامر «قتّلوا» ـ بالتشديد (٣) ـ وهشام وحده في «ما
__________________
(١) انظر المحرر الوجيز ١ / ٥٤٠ ، والبحر المحيط ٣ / ١١٧ ، والدر المصون ٢ / ٢٥٥ ، وإتحاف ١ / ٤٩٤.
(٢) وهي قراءة ابن عامر ، وعاصم ، وحمزة ، وأبي جعفر.
انظر : العنوان ٨١ ، وإتحاف ١ / ٤٩٤.
(٣) انظر : السبعة ٢١٩ ، والحجة ٣ / ٩٨ ، والعنوان ٨١ ، وشرح شعلة ٣٢٥ ، وشرح الطيبة ٤ / ١٧٤ ، وإتحاف ١ / ٤٩٤.