قال الليث : أهل العربيّة يقولون : زعم فلان ؛ إذا شكّوا فيه فلم يعرفوا أكذب أم صدق ؛ وكذلك تفسير قوله : (هذا لِلَّهِ)(١)(بِزَعْمِهِمْ) [الأنعام : ١٣٦] أي : بقولهم الكذب.
قال الأصمعيّ : الزّعوم من الغنم الذي لا يعرف أبها شحم أم لا (٢) وقال ابن الأعرابيّ : الزّعم قد يستعمل في الحقّ ، وأنشد لأميّة بن أبي الصّلت : [المتقارب]
١٨١٧ ـ وإنّي أدين لكم أنّه |
|
سيجزيكم ربّكم ما زعم (٣) |
وزعم [تكون](٤) بمعنى : ظنّ وأخواتها ، فيتعدّى لاثنين في هذه الآية ، و «أنّ» سادّة مسدّ مفعوليها ، وتكون بمعنى : «كفل» فتتعدى لواحد ؛ ومنه : (وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ) [يوسف : ٧٢] ، وبمعنى رأس ، وكذب وسمن ، وهزل ، فلا تتعدّى ، وقرأ الجمهور : (أُنْزِلَ)(٥)(إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) مبنيا للمفعول ، وقرئا (٦) مبنيّين للفاعل ، وهو الله ـ تعالى ـ.
فصل : سبب نزول الآية
روي في سبب النّزول وجوه :
أحدها : قال الشّعبي (٧) : كان بين رجل من اليهود ورجل من المنافقين خصومة ، فقال اليهوديّ : نتحاكم إلى محمّد ؛ لأنه عرف أنّه لا يأخذ الرّشوة ، ولا يميل في الحكم ، وقال المنافق : نتحاكم إلى اليهود ؛ لعلمه أنّهم يأخذون الرّشوة ويميلون في الحكم ، فاتّفقا على أن يأتيا كاهنا في جهينة ، فيتحاكما إليه ، فنزلت هذه الآية (٨).
قال جابر : كانت الطّواغيت التي يتحاكمون إليها واحد في جهينة ، وواحد في أسلم ، وفي كلّ حيّ واحد كهّان (٩).
__________________
(١) في ب : الله.
(٢) ينظر : اللسان (زعم).
(٣) ينظر ديوان أمية بن أبي الصلت ص ٧١ ، وهو برواية :
وإني أدين لكم أنه |
|
سينجزكم ربكم ما زعم |
ورواية اللسان (زعم) :
وإنّي أذين لكم أنه |
|
سينجزكم ربكم ما زعم |
وينظر : تهذيب اللغة ٢ / ١٥٦ ، والفخر الرازي ١٠ / ١٢٢.
(٤) سقط في أ.
(٥) في ب : وما أنزل.
(٦) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٢٩٢ ، والدر المصون ٢ / ٣٨١.
(٧) ينظر : تفسير البغوي ١ / ٤٤٦.
(٨) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ٥٠٨) عن عامر الشعبي وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٣١٩) وزاد نسبته إلى ابن المنذر.
(٩) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٣٢٠ ـ ٣٢١) عن جابر بن عبد الله وعزاه لابن أبي حاتم عن وهب بن منبه عنه. والبغوي ١ / ٤٤٦.