إلى النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فأبى المنافقون فانطلقوا إلى أبي بردة ليحكم (١) بينهم ، فقال : أعطوا اللّقمة ، يعني : الخطر ، فقالوا : لك عشرة أوسق ، فقال : لا بل مئة وسق ديتي ، فأبوا أن يعطوه فوق عشرة أوسق ، فأبى أن يحكم بينهم ، فأنزل الله ـ تعالى ـ آيتي القصاص ، فدعا النّبيّ صلىاللهعليهوسلم الكاهن إلى الإسلام فأسلم ، وعلى هذه الرّواية فالطّاغوت هو الكاهن (٢).
وقال الحسن : إن رجلا من المسلمين كان له على رجل من المنافقين حقّ ، فدعاه المنافق إلى وثن كان أهل الجاهليّة يتحاكمون إليه ، ورجل قائم يترجّم الأباطيل عن الوثن ، فالمراد بالطّاغوت ؛ هو ذلك الرّجل (٣) ، وقيل : كانوا يتحاكمون إلى الأوثان ، وكان طريقهم [أنّهم] يضربون القداح بحضرة الوثن ، فما خرج على القداح حكموا به ، وعلى هذا فالطّاغوت الوثن (٤).
قال أبو مسلم (٥) : ظاهر الآية يدلّ على أنه كان المخاصم منافقا (٦) من أهل الكتاب ، كان يظهر الإسلام على سبيل النّفاق ، لأن قوله ـ تعالى ـ : (يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) إنما يليق بمثل هذا المنافق.
قوله : (يُرِيدُونَ) حال من فاعل [(يَزْعُمُونَ) أو من (الَّذِينَ يَزْعُمُونَ).
وقوله : (وَقَدْ أُمِرُوا) حال من فاعل](٧)(يُرِيدُونَ) فهما حالان متداخلان ، (أَنْ يَكْفُرُوا) في محلّ نصب فقط إن قدّرت تعدية «أمر» إلى الثّاني بنفسه ، وإلا ففيها الخلاف المشهور ، والضّمير في [به] عائد على الطّاغوت ، وقد تقدّم أنه يذكّر ويؤنّث ، والكلام عليه في البقرة (٨).
وقرأ عبّاس بن الفضل (٩) : «أن يكفروا بهن» ، بضمير جمع التّأنيث.
فصل
قال القاضي (١٠) : يجب أن يكون التحاكم إلى الطّاغوت كالكفر ، وعدم الرّضى [بحكم](١١) محمّد ـ عليهالسلام ـ كفر ؛ لوجوه :
__________________
(١) في ب : فحلم.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ٥٠٩ ـ ٥١٠) عن السدي وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٣١٩ ـ ٣٢٠) وزاد نسبته لابن أبي حاتم. والبغوي ١ / ٤٤٦ ، ٤٤٧.
(٣) ذكره الرازي في «التفسير الكبير» (١٠ / ١٢٤).
(٤) انظر : المصدر السابق.
(٥) ينظر : تفسير الرازي ١٠ / ١٢٤.
(٦) في ب : مخاصما.
(٧) سقط في ب.
(٨) آية : ٢٥٦.
(٩) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٢٩٢ ، وفيه القراءة «بها» ، والدر المصون ٢ / ٣٨٢. وفيه أن القراءة «بهن».
(١٠) ينظر : تفسير الرازي ١٠ / ١٢٤.
(١١) سقط في ب.