فصل
دلّت هذه الآية على أن الأنبياء ـ [عليهم الصلاة والسلام](١) ـ معصومون عن الذنوب ؛ لأنّها دلّت على وجوب طاعتهم مطلقا ، فلو أتوا بمعصية ، لوجب الاقتداء بهم في تلك المعصية ، فتصير واجبة علينا ، وكونها معصية يجب كونها محرّمة علينا ، فيلزم توارد الإيجاب والتّحريم على الشّيء الواحد ، وهو محال.
فإن قيل : ألستم في الاعتراض على الجبّائيّ ذكرتم أن قوله : (إِلَّا لِيُطاعَ) لا يفيد العموم ، فكيف تمسّكتم به في هذه المسألة ، مع أن [هذا](٢) الاستدلال لا يتمّ إلا مع القول بأنّها تفيد العموم.
فالجواب : ظاهر [هذا](٣) اللّفظ يوهم العموم ، وإنما تركناه في تلك المسألة ؛ للدّليل القاطع الّذي ذكرناه ، على (٤) أنه يستحيل منه ـ تعالى ـ أن يريد الإيمان من الكافر ، فلأجل ذلك المعارض القاطع صرفنا الظّاهر عن (٥) العموم ، وليس ههنا برهان قاطع عقليّ يوجب القدح في عصمة الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ ، فظهر الفرق.
قوله : (وَلَوْ أَنَّهُمْ) قد تقدم الكلام على «أنّ» الواقعة بعد «لو» ، و «إذ» ظرف معمول لخبر «أنّ» وهو «جاءك» ، وقال : (وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ) ، ولم يقل : واستغفرت ، خروجا من الخطاب إلى الغيبة ، لما في هذا الاسم الظّاهر من التّشريف بوصف الرّسالة ، إجلالا للرّسول ـ عليهالسلام ـ و «وجد» هنا يحتمل أن تكون العلميّة ، فتتعدّى لاثنين (٦) والثاني : «توابا» ، وأن تكون غير العلميّة ، فتتعدى لواحد ، ويكون «توابا» حالا ، وأما «رحيما» فيحتمل أن يكون حالا من ضمير «توّابا» [وأن يكون بدلا من توابا](٧) ويحتمل أن يكون خبرا ثانيا في الأصل ، بناء على تعدّد الخبر وهو الصّحيح ، فلما دخل النّاسخ ، نصب الخبر المتعدّد ، تقول : زيد فاضل شاعر فقيه عالم ، ثم تقول : علمت زيدا فاضلا شاعرا فقيها عالما ، إلا أنّه لا يحسن أن يقال هنا : شاعرا : مفعول ثالث ، وفقيها [مفعول](٨) رابع ، وعالما : خامس.
فصل : سبب نزول الآية
في سبب النّزول وجهان :
الأول : أن من تقدّم ذكره مع المنافقين ، عندما ظلموا أنفسهم بالتّحاكم إلى الطّاغوت ، والفرار من التّحاكم إلى رسول الله ـ [صلىاللهعليهوسلم](٩) ، [لو جاءوا](١٠) للرّسول ،
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) سقط في أ.
(٣) سقط في ب.
(٤) في ب : مع.
(٥) في ب : من.
(٦) في ب : إلى اثنين.
(٧) سقط في أ.
(٨) سقط في ب.
(٩) سقط في أ.
(١٠) سقط في ب.