والجواب : إنّما لم يكلّفهم بهذه الأشياءه الشّاقّة ؛ لأنّه لو كلّفهم بها لما فعلوها ، ولو لم يفعلوها ، لوقعوا في العذاب ، ثم إنّه ـ تعالى ـ علم من أبي جهل وأبي لهب عدم الإيمان ، وأنهم لا يستفيدون من التّكليف إلّا العقاب الدّائم (١) ، ومع ذلك فإنّه كلّفهم الإيمان فلمّا (٢) كان جوابا عن هذا ، فهو جواب عما ذكرت.
فصل : دلالة الآية على عظم الأجر
دلّت هذه الآية على عظم هذا الأجر من وجوه :
أحدها : أنه ذكر نفسه بصيغة العظمة ، وهو قوله : (لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا) والمعطي الحكيم إذا ذكر نفسه (باللّفظ الدّالّ على) (٣) العظمة (٤) ، وهو قوله : (وَآتَيْناهُمْ) عند الوعد بالعطيّة ـ دلّ على عظم تلك العطيّة.
وثانيها : قوله : (مِنْ لَدُنَّا) هذا التّخصيص يدلّ على المبالغة ، كما في قوله : (وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) [الكهف : ٦٥].
وثالثها : أنه وصف الأجر بكونه عظيما ، والذي وصفه أعظم العظماء بالعظمة ، لا بد وأن يكون في نهاية العظم ، قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «[فيها](٥) ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر» (٦).
والمراد ب «الصراط المستقيم» : هو الدّين الحقّ ؛ لقوله : (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ).
وقيل : الصّراط هو الطّريق من عرصة القيامة إلى الجنّة ؛ لأنه ـ تعالى ـ ذكره بعد الثّواب والأجر ، وأمّا الدّين الحقّ فهو متقدّم على الثّواب والأجر ، وصراط القيامة يكون بعد استحقاق الأجر ، فكان حمله عليه في هذا الموضع أولى.
قوله تعالى : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً (٦٩) ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللهِ وَكَفى بِاللهِ عَلِيماً) (٧٠)
لما أمر الله بطاعة الله وطاعة رسوله بقوله : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) ثم زيّف طريقة المنافقين ، ثم أعاد الأمر بطاعة الرّسول بقوله ـ [تعالى](٧) ـ : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ) ورغّب في تلك الطّاعة بإيتاء الأجر العظيم ، وهداية الصّراط
__________________
(١) في ب : العذاب الدايم.
(٢) في ب : فما.
(٣) في ب : بالعظمة الدالة على.
(٤) في أ : العلم.
(٥) سقط في أ.
(٦) تقدم.
(٧) سقط في أ.