المستقيم ، أكد الأمر (١) بالطّاعة في هذه الآية مرّة أخرى ، فقال : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ) الآية ، وقال القرطبيّ (٢) : لما ذكر الله ـ تعالى ـ الأمر الذي لو فعله (٣) المنافقون حين وعظوا به وأنابوا إليه ، لأنعم عليهم ، ذكر بعد ذلك ثواب من يفعله.
فصل : سبب نزول الآية
قال جماعة من المفسّرين : إن ثوبان مولى رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان شديد الحبّ لرسول الله صلىاللهعليهوسلم قليل الصّبر عن فراقه ، فأتاه يوما وقد تغيّر لونه ، ونحل جسمه ، وعرف الحزن في وجهه ، فقال [له](٤) رسول الله صلىاللهعليهوسلم [ما غيّر لونك؟ فقال : يا رسول الله](٥) ما بي من وجع غير أنّي إذا لم أرك ، استوحشت وحشة شديدة حتّى ألقاك ، فذكرت الآخرة فخفت ألّا أراك هناك ؛ لأنك ترفع مع النبيّين [والصّدّيقين](٦) ، وإني إن أدخلت الجنّة ، كنت في منزلة أدنى من منزلتك ، وإن لم أدخل الجنّة ، فلا أراك أبدا ، فنزلت [هذه](٧) الآية (٨).
وقال قتادة : إن بعض أصحاب النّبيّ صلىاللهعليهوسلم قالوا : كيف يكون الحال في الجنّة وأنت في الدّرجات العلى ونحن أسفل منك فكيف نراك ، فنزلت هذه الآية (٩).
وقال مقاتل : نزلت في رجل من الأنصار ، قال للنّبي صلىاللهعليهوسلم يا رسول الله ، إذا خرجنا من عندك إلى أهلينا اشتقنا إليك ، فما ينفعنا شيء حتّى نرجع إليك ، ثم ذكرت درجتك في الجنّة ، فكيف لنا برؤيتك إن دخلنا الجنّة ، فنزلت هذه الآية ، فلما توفّي النّبي صلىاللهعليهوسلم قال : اللهمّ أعمني حتّى لا أرى شيئا بعده إلى أن ألقاه ؛ فعمي مكانه ، فكان يحبّ النبي حبّا شديدا ، فجعله الله معه في الجنّة (١٠).
قال المحقّقون (١١) : لا تنكر صحّة هذه الرّوايات ؛ إلا [أن](١٢) سبب النّزول يجب أن يكون شيئا أعظم من ذلك ، وهو الحثّ على الطّاعة والتّرغيب فيها ، فإن خصوص السّبب لا يقدح في عموم اللّفظ ، فالآية عامّة في حقّ جميع المكلّفين ، والمعنى : ومن
__________________
(١) في ب : الإناء.
(٢) ينظر : تفسير القرطبي ٥ / ١٧٥.
(٣) في ب : غلب.
(٤) سقط في أ.
(٥) سقط في أ.
(٦) سقط في أ.
(٧) سقط في أ.
(٨) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٣٢٥) وعزاه لسعيد بن منصور وابن المنذر عن عامر الشعبي دون ذكر اسم ثوبان.
وأخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ٥٣٤) عن سعيد بن جبير دون ذكر ثوبان أيضا.
(٩) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ٥٣٤) عن قتادة وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٣٢٥) وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر.
(١٠) ذكره الفخر الرازي في «التفسير الكبير» (١٠ / ١٣٦) عن مقاتل.
(١١) ينظر : تفسير الرازي ١٠ / ١٣٦.
(١٢) سقط في أ.