وتصير هذه الآية في كون شرى تحتمل الاشتراء والبيع باعتبارين ؛ قوله ـ تعالى ـ : (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ) [يوسف : ٢٠] على ما سيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ وقد تقدم شيء من هذا أوّل البقرة [الآية ١٦] والجمهور على سكون لام «فليقاتل» لأنها وقعت بعد الفاء [والواو] فأشبهت اللفظة اكتفاء ، وقرىء بكسرها ، وهو الأصل وأجاز إسكانها وكسرها كهذه الآية ، وقوله ـ تعالى ـ : (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) [الحج : ٢٩] وقد قرىء بهما. والجمهور (١) على بناء «فيقتل» للمفعول ، ومحارب بن دثار ببنائه للفاعل.
والأوّل أظهر ؛ لقوله : (أَوْ يَغْلِبْ) [«ويقتل»](٢) «ويغلب» عطف على شرط ، والفاء في «فسوف» جوابه لا يجوز حذفها والمشهور [إظهار](٣) هذه الباء عند الفاء ، وأدغمها أبو عمرو والكسائي ، وهشام وخلاد بخلاف عنه.
والجمهور على «نؤتيه» بنون العظمة ، وطلحة بن مصرف والأعمش : بياء الغيبة ، وهما ظاهرتان.
وقدم قوله : «فيقتل» لأنها درجة شهادة وهي أعظم من غيرها ، وثنّى بالغلبة ، وهي تشمل نوعين : قتل أعداء الله ، والظّفر بالغنيمة ، والأولى أعظم من الثّانية. انتهى.
فصل
المعنى : أن من قاتل في سبيل الله سواء (٤) صار مقتولا للكفّار ، أو غالبا ، فسوف نؤتيه أجرا عظيما ، ولا واسطة بين هاتين الحالتين. [و](٥) إذا كان الأجر حاصلا على كلّ تقدير ، لم يكن عمل أشرف من الجهاد ، وهذا يدلّ على أن المجاهد لا بدّ وأن يوطّن نفسه على أنّه لا بدّ من أحد أمرين : إمّا أن يقتله العدّوّ (٦)(٧) ، وإمّا أن يغلب ، فإذا عزم على ذلك ، لم يفرّ عن خصمه ، ولم يحجم عن المحاربة ، وإن دخل على غير هذا [العزم](٨) فما أسرع فراره.
روى أبو هريرة ؛ أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «تكفّل الله لمن جاهد في سبيل الله [لا يخرجه إلا جهاد في سبيله](٩) وتصديق كلمته ، بأن يدخله الجنّة ، أو يرجعه إلى مسكنه الّذي خرج منه مع ما نال من أجر أو غنيمة» (١٠).
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٧٨ ، والبحر المحيط ٣ / ٣٠٧ ، والدر المصون ٢ / ٣٩٣.
(٢) سقط في ب.
(٣) سقط في أ.
(٤) في ب : فنوى القتال سواء.
(٥) سقط في ب.
(٦) في ب : القدر.
(٧) سقط في ب.
(٨) سقط في ب.
(٩) في ب : سكنه.
(١٠) أخرجه البخاري كتاب الخمس : باب قول النبي صلىاللهعليهوسلم : أحلت لكم الغنائم (٣١٢٣) : كتاب التوحيد : باب «وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا» (٧٤٥٧) ومسلم كتاب الإمارة باب ٢٨ والنسائي كتاب الجهاد ب ١٢ والبيهقي (٩ / ١٥٧) ومالك في «الموطأ» (٤٤٣) وسعيد بن منصور (٢٣١١ ، ٢٣١٢) من حديث أبي هريرة.