وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ ؛ أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «مثل المجاهد في سبيل الله ؛ كمثل القانت الصّائم الّذي لا يفتر من صلاة ولا صيام ، حتى يرجعه الله إلى أهله بما يرجعه من غنيمة وأجر ، أو يتوفّاه فيدخل الجنّة» (١).
قوله تعالى : (وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً)(٧٥)
هذا استفهام يراد به التّحريض ، والأمر بالجهاد على سبيل الوجوب ، ومعناه : أنّه لا عذر لكم في ترك المقاتلة ، وقد بلغ حال المستضعفين من الرّجال والنّساء والولدان من المسلمين إلى ما بلغ في الضّعف ، فهذا الحثّ شديد ، وبيان العلّة (٢) التي صار القتال لها واجبا ، وهو ما في القتال من تخليص هؤلاء المؤمنين من أيدي الكفرة ؛ لأنّ هذا يجمع مع الجهاد ما يجري مجرى فكاك الأسير.
و «ما» : مبتدأ ، و «لكم» : خبره ، أي : أيّ شيء استقرّ لكم ، وجملة قوله : (لا تُقاتِلُونَ) فيها وجهان :
أظهرهما : أنها في محلّ نصب على الحال ، أي : ما لكم غير مقاتلين ، أنكر عليهم أن يكونوا على غير هذه الحالة ، وقد صرّح بالحال بعد هذا التركيب في قوله : (فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ) [المدثر : ٤٩] وقال في مثل هذه الحال : إنّها لازمة ؛ لأنّ الكلام لا يتمّ دونها ، وفيه نظر ، والعامل في هذه الحال : الاستقرار المقدّر ؛ كقولك : ما لك ضاحكا.
والوجه الثاني : أن الأصل : «وما لكم في ألا تقاتلوا» فحذفت «في» فبقي (أَلَّا تُقاتِلُوا) فجرى (٣) فيها الخلاف المشهور ، ثم حذفت «أن» النّاصبة ، فارتفع الفعل بعدها ؛ كقولهم : تسمع بالمعيديّ خير من أن تراه ، وقوله : [الطويل]
١٨٣٠ ـ أيّهذ(٤)الزّاجري أحضر الوغى |
|
.............. (٥) |
في إحدى الروايتين ، وهذا يؤيّد كون الحال ليست بلازمة.
فصل
قالت المعتزلة : قوله : (وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) إنكار عليهم في ترك القتال ،
__________________
(١) أخرجه مالك في «الموطأ» (٢ / ٤٤٣ ـ ٤٤٤) كتاب الجهاد : باب الترغيب في الجهاد (١) والبخاري (٦ / ٢٠) كتاب الجهاد والسير : باب تمني الشهادة (٢٧٩٧) ومسلم (٣ / ١٤٩٨) كتاب الإمارة باب فضل الشهادة في سبيل الله (١١٠ / ١٨٧٨) من طريق أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة.
(٢) في ب : للعلة.
(٣) في ب : فبقي.
(٤) في ب : يأيها.
(٥) تقدم برقم ٥٥٩.