و (الَّذِينَ يَقُولُونَ) فيه وجهان :
أحدهما : أن يكون مجرورا على أنّه صفة : إمّا للمستضعفين ، وإمّا للرّجال ومن بعدهم ، وغلّب المذكّر على المؤنّث.
وقال أبو البقاء (١) : (الَّذِينَ يَقُولُونَ) في موضع جرّ صفة لمن عقل من المذكورين». كأنه توهّم أنّ الولدان الصبيان ، والصبيان لا يعقلون ؛ فجعله نعتا لمن عقل من المذكورين وهم الرّجال والنّساء دون الولدان ، لأنّ جمع السّلامة في المذكّر يشترط فيه العقل ، و «الذين» جار مجراه.
قال شهاب الدين : وهذه غفلة ؛ لأنّ مراد النّحويين بالعاقل : ما كان من جنس العقلاء وإن كان مسلوب العقل ؛ ويدلّ عليه قوله ـ تعالى ـ : (أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ) [النور : ٣١] فالمراد بالطفل هنا : الصّبيان الصّغار ، ومع ذلك وصفهم بالذين.
والثاني : أن يكون منصوبا على الاختصاص.
فصل
المراد بالمستضعفين من الرّجال والنّساء والولدان : قوم من المسلمين بقوا بمكّة ، عجزوا عن الهجرة إلى المدينة ، وكانوا يلقون من كفّار مكّة أذى شديدا.
قال ابن عبّاس : كنت أنا وأمّي من المستضعفين من النّساء والولدان (٢) ، وكانوا يدعون ويقولون في دعائهم : (رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها) وكانوا يشركون معهم صغارهم في الدّعاء ؛ لأن الصّغار لم يذنبوا ؛ كما وردت السّنّة في إخراجهم في الاستسقاء ، إنما ذكر الولدان ؛ مبالغة في شرح ظلمهم. حيث بلغ أذاهم غير المكلّفين ، وأجمعوا على أنّ المراد من هذه القرية الظّالم أهلها [مكة](٣) وكون أهلها موصوفين بالظّلم : يحتمل أن يكون لأنّهم مشركون ؛ قال ـ تعالى ـ : (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان : ١٣] ، ويحتمل أن يكون لأجل أنّهم كانوا يؤذون المسلمين.
قوله : (الظَّالِمِ أَهْلُها) «الظالم» : صفة للقرية ، و «أهلها» : مرفوع به على الفاعلية. و «أل» في «الظالم» موصولة بمعنى التي ، أي : التي ظلم أهلها. فالظلم جار على القرية لفظا ، وهو لما بعدها معنى ، ومثله : «مررت برجل حسن غلامه».
قال الزمخشري (٤) : فإن قلت : لم ذكّر «الظالم» وموصوفه مؤنث؟ قلت : هو
__________________
(١) ينظر : الإملاء ١ / ١٨٧.
(٢) أخرجه البخاري (٤ / ١٩٨) كتاب الجنائز : باب إذا أسلم الصبي حديث (١٣٥٧) ، (٨ / ٩٢) كتاب التفسير باب سورة النساء حديث (٤٥٨٧) عن ابن عباس موقوفا.
(٣) سقط في أ.
(٤) ينظر : الكشاف ١ / ٥٣٥.