قوله تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً)(٧٦)
لما بيّن وجوب الجهاد ، بيّن أنه لا عبرة بصورة الجهاد ، بل العبرة بالقصد والدّاعي ، فالمؤمنون يقاتلون في سبيل الله ، أي : في طاعة الله ونصرة دينه ، والّذين كفروا يقاتلون في سبيل الطّاغوت ، أي : في طاعة الشّيطان.
قال أبو عبيدة والكسائي (١) : الطّاغوت يذكّر ويؤنّث ، قال أبو عبيد : وإنّما ذكر وأنث ؛ لأنّهم [كانوا يسمّون الكاهن والكاهنة طاغوتا.
قال جابر بن عبد الله وقد سئل عن الطّاغوت التي](٢) كانوا يتحاكمون إليها ـ قال : كان في جهينة واحدة ، وفي أسلم واحدة ، وفي كل حيّ واحدة (٣).
قال أبو إسحاق : والدّليل على أنّه الشّيطان ، قوله ـ تعالى ـ : (فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً) أي : مكره و [مكر](٤) من اتّبعه ، وهذه الآية كالدّالة على أنّ كلّ من كان غرضه في فعل رضى [غير](٥) الله ـ تعالى ـ [فهو في سبيل الطاغوت ، لأنه ـ تعالى ـ ذكر هذه القسمة ؛ وهي أن القتال إمّا أن يكون في سبيل الله](٦) ، أو في سبيل الطّاغوت ، وجب أن يكون ما سوى الله طاغوتا ، ثم إنّه ـ تعالى ـ أمر المقاتلين في سبيل الله أن يقاتلوا أولياء الشّيطان ؛ فقال : «فقاتلوا أيها المؤمنون أولياء الشيطان» : حزبه وجنوده ؛ وهم الكفّار ، ثم بيّن أن كيد الشّيطان [كان ضعيفا لأن الله ينصر أولياءه ، والشّيطان ينصر أولياءه ، ولا شكّ أن نصرة الشيطان لأوليائه](٧) أضعف من نصرة الله ، وكيد الشّيطان : مكره ، (كانَ ضَعِيفاً) : كما فعل يوم بدر لما رأى الملائكة ، خاف أن يأخذوه فهرب وخذلهم ، وفائدة إدخال «كان» في قوله : (كانَ ضَعِيفاً) التّأكيد لضعف كيده ، يعني : أنه منذ كان ، موصوفا بالضّعف والذّلّة.
قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً)(٧٧)
(٨) قال الكلبي : نزلت في عبد الرّحمن بن عوف الزّهريّ ، والمقداد بن الأسود الكندي ، وقدامة بن مظعون الجمحي ، وسعد بن أبي وقّاص ، وجماعة كانوا مع النّبيّ صلىاللهعليهوسلم
__________________
(١) ينظر : تفسير القرطبي ٥ / ١٨١.
(٢) سقط في ب.
(٣) تقدم.
(٤) سقط في ب.
(٥) سقط في ب.
(٦) سقط في أ.
(٧) سقط في أ.
(٨) سقط في ب.