اعتقادا ثم تابوا ، وأهل الإيمان يتفاضلون في الإيمان.
وقيل : كانوا مؤمنين ، فلما كتب [عليهم](١) ، أي : فرض عليهم القتال ، نافقوا من الجبن ، وتخلّفوا عن الجهاد ، والأولى حمل الآية على المنافقين ، لأنه ـ تعالى ـ ذكر بعد هذه الآية قوله : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ) ولا شكّ أنّ هذا من كلام المنافقين.
فصل
دلّت الآية على أن إيجاب الصّلاة والزّكاة ، كان مقدّما على إيجاب الجهاد.
قوله (إِذا فَرِيقٌ :) «إذا» هنا فجائيّة ، وقد تقدّم أن فيها ثلاثة مذاهب :
أحدها ـ وهو الأصحّ : أنها ظرف مكان.
والثّاني : أنها زمان.
والثّالث : أنها حرف.
قيل في «إذا» هذه : إنها فجائية مكانيّة ، وأنها جواب ل «لمّا» في قوله : (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ ،) وعلى هذا ففيها وجهان :
أحدهما : أنها خبر مقدّم ، و «فريق» : مبتدأ ، و «منهم» : صفة ل «فريق» ، وكذلك «يخشون» ، ويجوز أن يكون «يخشون» حالا من «فريق» لاختصاصه بالوصف ، والتّقدير : «فبالحضرة فريق [فهو](٢) كائن منهم خاشون أو خاشين».
والثاني : أن يكون «فريق» مبتدأ ، و «منهم» : صفته ، وهو المسوّغ للابتداء به ، و «يخشون» : جملة خبرية وهو العامل في «إذا» ، وعلى القول الأوّل : العامل فيها محذوف على قاعدة الظّروف الواقعة خبرا.
وقيل : إنّها هنا ظرف زمان ، وهذا فاسد ؛ لأنها إذ ذاك لا بدّ لها من عامل ، وعاملها إمّا ما قبلها ، وإمّا ما بعدها ، لا جائز أن يكون ما قبلها لأن ما قبلها وهو «كتب» ماض لفظا ومعنى ، وهي للاستقبال ، فاستحال ذلك.
فإن قيل : تجعل هنا للمضيّ بمعنى «إذ».
قيل : لا يجوز ذلك ؛ لأنه يصير التقدير : فلمّا كتب عليهم القتال في وقت خشية فريق منهم ، وهذا يفتقر إلى جواب «لمّا» ولا جواب لها ، ولا جائز أن يكون ما بعدها ؛ لأنّ العامل فيها إذا كان بعدها ، كان جوابا لها ، ولا جواب لها هنا ، وكان قد تقدّم أوّل البقرة أنّ في «لمّا» قولين : قول سيبويه (٣) : إنّها حرف وجوب لوجوب ، وقول الفارسي : إنها ظرف زمان بمعنى «حين» وتقدّم الردّ عليه ، بأنّها أجيبت ب «ما» النّافية وإذا الفجائية ،
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) سقط في أ.
(٣) ينظر : الكتاب ٢ / ٣١٢.