وأنّ ما بعدها لا يعمل فيما قبلها ، فأغنى عن إعادته ، ولا يجوز أن يعمل ما يليها فيها ؛ لأنه في محلّ خفض بالإضافة على زعمه ، والمضاف إليه لا يعمل في المضاف.
وقد أجاب بعضهم ، بأنّ العامل فيها هنا معنى «يخشون» ؛ كأنه قيل : جزعوا ، قال : «وجزعوا هو العامل في «إذا» ، وهذا الآية مشكلة ؛ لأنّ فيها ظرفين : أحدهما لما مضى ، والآخر لما يستقبل».
قوله : (كَخَشْيَةِ اللهِ) فيه ثلاثة أوجه :
أحدها ـ وهو المشهور عند المعربين : أنها نعت مصدر محذوف ، أي : خشية كخشية الله.
والثاني : ـ وهو المقرّر من مذهب سيبويه (١) غير مرة ـ : أنّها في محلّ نصب على الحال من ضمير الخشية المحذوف ، أي : يخشونها النّاس ، أي : يخشون الخشية الناس مشبهة خشية الله.
والثالث : أنّها في محل نصب على الحال من الضمير في «يخشون» أي : يخشون النّاس مثل أهل خشية الله ، أي : مشبهين لأهل خشية الله أو أشدّ خشية ، أي : أشدّ خشية من أهل خشية الله. و «أشدّ» معطوف على الحال ؛ قاله الزمخشري (٢) ، ثم قال : «فإن قلت : لم عدلت عن الظّاهر ، وهو كونه صفة للمصدر ولم تقدّره : يخشون خشية مثل خشية الله ، بمعنى : مثل ما يخشى الله.
قلت : أبى ذلك قوله : (أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً) ؛ لأنه وما عطف عليه في حكم واحد ، ولو قلت : «يخشون الناس أشد خشية» لم يكن إلا حالا من ضمير الفريق ، ولم ينتصب انتصاب المصدر ؛ لأنك لا تقول : «خشي فلان أشدّ خشية» فتنصب «خشية» وأنت تريد المصدر ، إنّما تقول : (أَشَدَّ خَشْيَةً) فتجرّها ، وإذا نصبتها لم يكن (أَشَدَّ خَشْيَةً) إلا عبارة عن الفاعل حالا منه ، اللهم إلا أن تجعل الخشية خاشية على حدّ قولهم : «جدّ جدّه» فتزعم أنّ معناه : يخشون الناس خشية مثل خشية أشدّ خشية من خشية الله ، ويجوز على هذا أن يكون محلّ «أشدّ» مجرورا ، عطفا على «خشية الله» تريد : كخشية الله ، أو كخشية أشدّ منها». انتهى.
ويجوز نصب «خشية» (٣) على وجه آخر ؛ وهو العطف على محلّ الكاف ، وينتصب «أشدّ» حينئذ على الحال من «خشية» ؛ لأنه في الأصل نعت نكرة قدّم عليها ، والأصل : يخشون النّاس مثل خشية الله أو خشية أشدّ منها ، فلا ينتصب «خشية» تمييزا ، حتى يلزم منه ما ذكره الزّمخشري ويعتذر عنه ، وقد تقدّم نحو من هذا عند قوله : (أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) [البقرة : ٢٠٠]. والمصدر مضاف إلى المفعول والفاعل محذوف ، أي : كخشيتهم الله.
__________________
(١) ينظر : الكتاب ٢ / ١١٦.
(٢) ينظر : الكشاف ١ / ٥٣٦.
(٣) وقرأ بها ابن عامر كما في الحجة ٣ / ١٧٢ ، وباقي المصادر على أنه قرأ بالتاء وينظر : السبعة ٢٣٥ ، ـ