ثم قال : (وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً).
قرأ ابن كثير ، وأبو جعفر ، وحمزة ، والكسائي (١) : بالياء رجوعا إلى قوله ـ تعالى ـ : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ) والباقون (٢) : بتاء الخطاب ؛ كقوله : (قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ) والمعنى (ولا يظلمون فتيلا ،) أي : لا ينقصون من ثواب أعمالهم مثل فتيل النّواة ، وهو ما تفتله (٣) بيدك ثم تلقيه احتقارا.
قوله تعالى : (أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) (٧٨)
لما حكى عنهم أنّهم يخشون النّاس عند فرض القتال بكّتهم ههنا ؛ فقال : (أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ) أي : لا خلاص لكم من الموت ، والجهاد موت يستعقبه سعادة أخرويّة ، فإذا كان لا بدّ من الموت ، فبأن يقع على وجه يستعقب السّعادة الأبديّة ، أولى من ألّا يكون كذلك.
قوله : (أَيْنَما تَكُونُوا :) «أين» اسم شرط يجزم فعلين ، و «ما» زائدة على سبيل الجواز مؤكّدة لها ، و «أين» ظرف مكان ، و «تكونوا» مجزوم بها ، و «يدرككم» : جوابه.
والجمهور على جزمه ؛ لأنه جواب الشرط ، وطلحة بن سليمان : «يدرككم» برفعه ، فخرّجه المبرّد ، على حذف الفاء ، أي : فيدرككم الموت.
ومثله قول الآخر : [الرجز]
١٨٣١ ـ يا أقرع بن حابس يا أقرع |
|
إنّك إن يصرع أخوك تصرع (٥) |
وهذا تخريج المبرّد ، وسيبويه (٦) يزعم أنه ليس بجواب ، إنّما هو دالّ على الجواب والنّية به التقديم.
وفي البيت تخريج آخر : وهو أن يكون «يصرع» المرفوع خبرا ل «إنك» ، والشّرط
__________________
ـ ٤٨٦) كتاب الزهد باب هوان الدنيا (٢٣٢٣) وابن ماجه (٢ / ١٣٧٦) كتاب الزهد : باب مثل الدنيا (٤١٠٨) والبغوي في «شرح السنة» (٧ / ٢٧٨) عن المستورد بن شداد وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح.
(١) ينظر : الحجة ٣ / ١٧٢ ، السبعة ٢٣٥ ، حجة القراءات ٢٠٨ ، العنوان ٨٥ ، إعراب القراءت ١ / ١٣٦ ، شرح الطيبة ٤ / ٢٠٩ ، شرح شعلة ٣٤١ وإتحاف ١ / ٥١٦.
(٢) في ب : وأما الباقون.
(٣) في ب : ما تفتله.
(٥) تقدم.
(٦) ينظر : الكتاب ١ / ٤٣٦.