وهذا تمسّك بطريقة المدح والذّمّ ؛ وهي (١) معارضة بالعلم والدّاعي.
والمراد ب (لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ) : المنافقون واليهود ، (لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) أي : قولا.
وقيل : الحديث هاهنا : القرآن ، أي : لا يفقهون معاني القرآن ، والفقه : الفهم ، يقال : فقه بكسر القاف ؛ إذا فهم ، وفقه بفتح القاف : إذا غلب غيره ، وفقه بضمّ القاف ، ومنه ما قال عليهالسلام لابن عبّاس «اللهمّ فقّهه في التّأويل» أي : فهّمه تأويله ، فعلى هذا التّأويل قالت المعتزلة : هذه الآية تقتضي وصف القرآن بأنّه حادث ، والحديث : فعيل بمعنى مفعول ، فيلزم منه أن يكون القرآن محدثا.
والجواب : إن كان مرادكم بالقرآن هذه العبارات ، فنحن نسلّم كونها محدثة.
قوله تعالى : (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) (٧٩)
في «ما» هذه قولان :
أحدهما : قال أبو البقاء (٢) : إنها شرطية ، وضعّف أن تكون موصولة قال : «ولا يحسن أن تكون بمعنى الذي ؛ لأنّ ذلك يقتضي أن يكون المصيب لهم ماضيا مخصّصا ، والمعنى على العموم والشّرطية أشبه ، والمراد بالآية : الخصب والجدب ، ولذلك لم يقل : ما أصبت». انتهى ، يعني أنّ بعضهم يقول : إنّ المراد بالحسنة الطّاعة ، وبالسّيّئة المعصية ، ولو كان هذا مرادا ، لقال : «ما أصبت» ؛ لأنّه الفاعل للحسنة والسّيّئة جميعا ، فلا تضاف إليه إلا بفعله لهما.
والثاني : أنها موصولة بمعنى الّذي ، وإليه ذهب (٣) مكّي ، ومنع أن تكون شرطيّة ، قال : «وليست للشرط ؛ لأنّها نزلت في شيء بعينه ، وهو الجدب والخصب ، والشرط لا يكون إلا مبهما ، يجوز أن يقع وألّا يقع ، وإنّما دخلت الفاء للإبهام الّذي في «الّذي» مع أن صلته فعل ، فدلّ على أنّ الآية ليست في المعاصي والطّاعات كما قال أهل الزّيغ ، وأيضا فإنّ اللّفظ (ما أَصابَكَ) ، ولم يقل : «ما أصبت». انتهى.
والأوّل أظهر ؛ لأنّ الشرطية أصل في الإبهام كما ذكر أبو البقاء ، والموصولة فبالحمل عليها ، وقول مكيّ : «لأنها نزلت في شيء بعينه» هذا يقتضي ألّا يشبّه الموصول بالشرط ؛ لأنه لا يشبّه به حتّى يراد به الإبهام لا شيء بعينه ، وإلّا فمتى أريد به شيء بعينه ، لم يشبّه بالشّرط فلم تدخل الفاء في خبره ، نصّ النّحويّون على ذلك ، وفي المسألة
__________________
(١) في أ : وعلى.
(٢) ينظر : الإملاء ١ / ١٨٨.
(٣) ينظر : المشكل ١ / ١٩٩.