لأنّ المعنى : ليس لك إلّا الرّسالة والتّبليغ ، وقد فعلت وما قصّرت ، (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) على جدّك وعدم تقصيرك في أداء الرّسالة وتبليغ الوحي ، فأمّا حصول الهداية فليس إليك ، بل إلى الله ؛ ونظيره قوله ـ تعالى ـ : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) [آل عمران : ١٢٨] ، وقوله : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) [القصص : ٥٦].
وقيل المعنى : وكفى بالله شهيدا على إرسالك وصدقك ، وقيل : وكفى بالله شهيدا على أنّ الحسنة والسّيّئة كلّها من الله.
قوله تعالى : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً)(٨٠)
وذلك أن النّبيّ صلىاللهعليهوسلم كان يقول : «من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن أحبّني فقد أحبّ الله» (١) فقال بعض المنافقين : ما يريد هذا الرّجل إلا أن نتّخذه ربّا ؛ كما اتّخذت النّصارى عيسى ابن مريم ربّا ؛ فأنزل الله ـ عزوجل ـ : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ) فيما أمره [الله](٢) «فقد أطاع الله» ، «ومن تولى» : عن طاعته (فَما أَرْسَلْناكَ) يا محمّد (عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) أي : حافظا ورقيبا ، بل كل أمورهم إلى الله ـ تعالى ـ ، ولا تغتم بسبب تولّيهم ولا تحزن ، والمراد : تسلية الرّسول ـ عليه الصّلاة والسلام ـ.
قيل : نسخ الله ـ عزوجل ـ هذه الآية بآية السّيف ، وأمره بقتال من خالف الله ورسوله.
قوله : «حفيظا» : حال من كاف «أرسلناك» و «عليهم» متعلّق ب «حفيظا» ، وأجاز فيه أبو البقاء (٣) ما تقدّم في «للنّاس».
قوله تعالى : (وَيَقُولُونَ طاعَةٌ فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) (٨١)
في رفع «طاعة» : وجهان :
أحدهما : أنه خبر مبتدأ مضمر ، تقديره : «أمر طاعة» ولا يجوز إظهار هذا المبتدأ ؛ لأن الخبر مصدر بدل من اللّفظ بفعله.
والثاني : أنه مبتدأ والخبر محذوف ، أي : منّا طاعة ، أو : عندنا طاعة ، قال مكي (٤) : «ويجوز في الكلام النّصب على المصدر».
قوله : (فَإِذا بَرَزُوا) [وأخرجوا](٥) ، من عندك بيت طائفة منهم غير الّذي تقول.
__________________
(١) تقدم.
(٢) سقط في أ.
(٣) ينظر : الإملاء ١ / ١٨٨.
(٤) ينظر : المشكل ١ / ١٩٩.
(٥) سقط في ب.