مخالفة للسّواد والتّدبير والتّدبّر عبارة عن النّظر في عواقب الأمور وأدبارها ، ودبر الشّيء آخره ، ومنه قوله : إلام تدبّروا أعجاز أمور قد ولت صدورها ، ويقال في فصيح الكلام : لو استقبلت من أمري ما استدبرت ، أي : لو عرفت في صدري ما عرفت [من](١) عاقبته ، لامتنعت.
فصل : وجه النظم في الآية
ووجه النظم أنه ـ تعالى ـ [لمّا](٢) حكى أنواع مكر (٣) المنافقين وكيدهم ؛ لأجل عدم اعتقادهم صحّة دعوى النّبي صلىاللهعليهوسلم للرّسالة ، فلا جرم أمرهم [الله](٤) تعالى بأن ينظروا ويتفكروا في الدّلائل [الدّالّة](٥) على صحّة النّبوّة ؛ فقال [ـ تعالى ـ](٦) : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ) والعلماء قالوا (٧) : دلالة القرآن على صدق نبوّة محمّد صلىاللهعليهوسلم من ثلاثة أوجه :
أحدها : فصاحته.
وثانيها : اشتماله على الإخبار عن الغيوب.
والثالث : سلامته عن الاختلاف ، وهذا هو المذكور في هذه الآية ، وذكروا في تفسير سلامته عن الاختلاف ثلاثة أوجه :
الأول : قال أبو بكر الأصم (٨) : معناه أنّ هؤلاء المنافقين كانوا يتواطئون في السّرّ على أنواع كثيرة من الكيد والمكر ، والله ـ تعالى ـ [كان](٩) يطلع الرّسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ على تلك الأحوال ، ويخبره عنها مفصّلة ، فقيل لهم : إن ذلك لو لم يحصل بإخبار الله ـ تعالى ـ ، وإلا لما اطّرد الصّدق فيه ، ولظهر الاختلاف والتّفاوت في قول محمّد ـ [عليهالسلام](١٠) ـ ، فلمّا لم يظهر ذلك علمنا أنّ ذلك بإعلام الله ـ تعالى ـ.
الثاني : قال أكثر المتكلّمين : إن القرآن كتاب كبير (١١) مشتمل على أنواع كثيرة من العلوم ، فلو كان ذلك من عند غير الله ، لوقع فيه أنواع من الكلمات المتناقضة ؛ لأن الكتاب الكبير لا ينفكّ من ذلك ، ولمّا لم يوجد فيه ذلك ، علمنا : أنه ليس من عند غير الله ؛ قاله ابن عبّاس.
فإن قيل : أليس أنّ قوله : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) [القيامة : ٢٢ ـ ٢٣] كالمناقض لقوله : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) [الأنعام : ١٠٣] ، وآيات الجبر كالمناقضة لآيات القدر ، وقوله : (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) [الحجر : ٩٢] كالمناقض لقوله : (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ) [الرحمن : ٣٩].
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) سقط في ب.
(٣) في أ : ملك.
(٤) سقط في ب.
(٥) سقط في أ.
(٦) سقط في أ.
(٧) ينظر : تفسير الرازي ١٠ / ١٥٧.
(٨) ينظر : السابق.
(٩) سقط في أ.
(١٠) سقط في أ.
(١١) في ب : منير.