قلنا : ليس هذا استنباطا ، بل هذا إبقاء لما كان على ما كان ، ومثل هذا لا يسمّى استنباطا.
وأما الرابع : وهو أن هذا الاستنباط إنّما يجوز عند حصول العلم ، والقياس الشّرعيّ لا يفيد العلم.
فنقول : جوابه من وجهين :
أحدهما : أنّه عندنا يفيد العلم ؛ لأن ثبوت أن القياس حجّة يقطع بأنّه مهما غلب على الظّنّ أنّ حكم الله في الأصل معلّل بكذا ، ثمّ غلب على الظّنّ أنّ ذلك المعنى قائم في الفرع ، فهنا يحصل ظنّ أنّ حكم الله في الفرع مساو لحكمه في الأصل ، وعند هذا الظّنّ يقطع بأنّه مكلّف بأن يعمل على وفق هذا الظّنّ ؛ فالحاصل : أن الظّنّ واقع في طريق الحكم ، وأما الحكم فمقطوع (١) به ، وهو يجري مجرى ما إذا قال الله ـ تعالى ـ : مهما غلب على ظنّك كذا ، فاعلم أنّ حكمي في الواقعة كذا ، فإذا غلب الظّنّ قطعنا بثبوت ذلك الحكم.
وثانيهما : أن العلم قد يطلق ويراد به الظّنّ ؛ قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «إذا علمت مثل الشّمس فاشهد» شرط العلم في جواز الشّهادة ، وأجمعنا على أنّ عند الظّنّ تجوز الشّهادة ؛ فثبت أنّ الظّنّ قد يسمّى بالعلم.
فصل في رد شبهة للمعتزلة
دلّت [هذه](٢) الآية على أنّ الذين اتّبعوا الشّيطان ، قد منعهم الله فضله ورحمته وإلا ما كان يتبع ، وهذا يدلّ على فساد قول المعتزلة : في أنّه يجب على الله رعاية الأصلح في الدّين.
أجابوا : بأن فضل الله ورحمته [عامّات في حق الكلّ ، لكن المؤمنين انتفعوا به ، والكافرين لم ينتفعوا به فصحّ على سبيل المجاز أنه لم يحصل للكافرين فضل الله ورحمته](٣) في الدّين.
والجواب : أن حمل اللّفظ على المجاز خلاف الأصل.
قوله تعالى : (فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ لا تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً)(٨٤)
قوله ـ تعالى ـ : «فقاتل» : في هذه الفاء خمسة أوجه :
أحدها : أنّها عاطفة هذه الجملة على جملة قوله : (فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ) [النساء : ٧٤].
__________________
(١) في أ : المقطوع.
(٢) سقط في ب.
(٣) سقط في ب.