الثاني : أنها عاطفتها على جملة قوله : (فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ) [النساء : ٧٦].
الثالث : أنّها عاطفتها على جملة قوله : (وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ) [النساء : ٧٥].
الرابع : أنها عاطفتها على جملة قوله : (فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) [النساء : ٧٤].
الخامس : أنها جواب شرط مقدّر ، أي : إن أردت فقاتل ، وأول هذه الأقوال هو الأظهر.
فصل
لما أمر بالجهاد في الآيات المتقدّمة ورغب فيه ، وذكر قلّة رغبة المنافقين في الجهاد ، عاد [إلى](١) الأمر بالجهاد في هذه الآية.
قوله : (لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ) في هذه الجملة قولان :
أحدهما : أنها في محلّ نصب على الحال من فاعل «فقاتل» أي : فقاتل غير مكلّف إلا نفسك وحدها.
والثاني : أنها مستأنفة أخبره ـ تعالى ـ أنه لا يكلّف غير نفسه.
والجمهور على «تكلّف» بتاء الخطاب ورفع الفعل مبنيّا للمفعول ، و «نفسك» هو المفعول الثاني ، وقرأ عبد الله بن عمر (٢) : «لا تكلّف» كالجماعة إلا أنه جزمه ، فقيل : على جواب الأمر ، وفيه نظر ، والذي ينبغي أن يكون نهيا ، وهي جملة مستأنفة ، ولا يجوز أن تكون حالا في قراءة عبد الله ؛ لأنّ الطّلب لا يكون حالا ، وقرىء «لا نكلف» بنون (٣) العظمة ورفع الفعل ، وهو يحتمل الحال والاستئناف المتقدّمين.
فصل في سبب نزول الآية
روي أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم واعد أبا (٤) سفيان بعد حرب أحد موسم بدر الصّغرى في ذي القعدة ، فلما بلغ الميعاد دعا النّاس إلى الخروج فكرهه بعضهم ؛ فأنزل الله : (فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ لا تُكَلَّفُ)(٥) أي : لا تدع جهاد العدوّ ولو وحدك ، فإن الله قد وعدك بالنّصرة ، و (حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ) أي : حثّهم (٦) ورغّبهم في الثّواب ، فخرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم في سبعين راكبا فكفاهم الله القتال.
والتّحريض : الحثّ على الشيء ، قال الرّاغب (٧) : كأنه في الأصل إزالة الحرض ، نحو : «قذيته» أي : أزلت قذاه ، وأحرضته : أفسدته كأقذيته ، أي : جعلت فيه القذى ، والحرض في الأصل : ما لا يعتدّ به ولا خير فيه ، ولذلك يقال للمشرف على الهلاك :
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٣٢١ ، والدر المصون ٢ / ٤٠٤.
(٣) ينظر : السابق.
(٤) في ب : بني.
(٥) تقدم.
(٦) في أ : بينهم.
(٧) ينظر : المفردات ص ١١٢.