الثاني : لعلّ المراد حصول الفرح بما حصل في الحال ، وحصول الاستبشار بما عرفوا أنّ النعمة العظيمة تحصل لهم في الآخرة.
فإن قيل : ما الفرق بين النعمة والفضل ، فإنّ العطف يقتضي المغايرة؟
فالجواب : أن النعمة هي الثواب ، والفضل : هو التفضّل الزائد.
وقيل : النعمة : المغفرة ، والفضل : الثواب الزائد.
وقيل : للتأكيد.
روى الترمذيّ عن المقدام بن معديكرب قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «للشّهيد عند الله ستّ خصال : يغفر له ، ويرى مقعده من الجنّة ، ويجار من عذاب القبر ، ويأمن الفزع الأكبر ، ويوضع على رأسه تاج الوقار ، الياقوتة منه خير من الدّنيا وما فيها ، ويزوّج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ، ويشفع في سبعين من أقاربه» (١) ، قال : هذا حديث حسن ، صحيح ، غريب ، وهذا تفسير النعمة والفضل ، وهذا في الترمذيّ وابن ماجه ستّ ، وهي في العدد سبعة.
فصل
وهذه الآية تدلّ على أنّ الإنسان يكون فرحه واستبشاره ـ بصلاح حال إخوانه ـ أتم من استبشاره بسعادة نفسه ، لأنه ـ تعالى ـ مدحهم على ذلك بكونهم أوّل ما استبشروا فرحوا بإخوانهم ، ثم ذكر ـ بعده ـ استبشارهم بأنفسهم ، فقال : (يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ).
قوله : (وَأَنَّ اللهَ لا يُضِيعُ) قرأ الكسائيّ بكسر «أن» على الاستئناف (٢).
وقال الزمخشري : إن قراءة الكسر اعتراض.
واستشكل كونها اعتراضا ؛ لأنها لم تقع بين شيئين متلازمين.
ويمكن أن يجاب عنه بأن (الَّذِينَ اسْتَجابُوا) يجوز أن يكون تابعا ل (بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا) ـ نعتا ، أو بدلا ، على ما سيأتي ـ فعلى هذا لا يتصور الاعتراض.
__________________
(١) أخرجه الترمذي (١٦٦٣) وابن ماجه (٢٧٩٩) عن المقدام بن معديكرب.
وقال الترمذي : هذا حديث حسن غريب صحيح.
وللحديث شاهد عن عبادة بن الصامت.
أخرجه أحمد والطبراني كما في «مجمع الزوائد» (٥ / ٢٩٣) ورجاله ثقات وشاهد آخر عن ابن عمر.
يرويه الطبراني في «المعجم الكبير» كما في «مجمع الزوائد» (٥ / ٢٩٣) وقال الهيثمي : رواه الطبراني وفيه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم وهو ضعيف.
(٢) انظر : السبعة ٢١٩ ، والحجة ٣ / ٩٨ ، وحجة القراءات ١٨١ ، وإعراب القراءات ١ / ١٢٢ ، والعنوان ٨١ ، وشرح الطيبة ٤ / ١٧٨ ، وشرح شعلة ٣٢٦ ، وإتحاف ١ / ٤٩٤.