والآية لا تدل على حدوث ذلك الشّيء ألبتّة بالاتّفاق منّا ومنكم ؛ أمّا منّا : فظاهر ، وأما منكم : فإنّكم تنكرون وجود كلام سوى هذه الحروف والأصوات ، فكيف يمكنكم أن تقولوا بدلالة هذه الآية على حدوثه.
قوله تعالى : (فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (٨٨) وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (٨٩) إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً)(٩٠)
(١) قوله ـ تعالى ـ : (فَما لَكُمْ) : مبتدأ وخبر ، و (فِي الْمُنافِقِينَ) فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه متعلّق بما تعلّق به الخبر ، وهو «لكم» ، أي : أيّ شيء كائن لكم ـ أو مستقرّ لكم ـ في أمر المنافقين.
والثاني : أنه متعلّق بمعنى فئتين ، فإنّه في قوّة «ما لكم تفترقون في أمور المنافقين» فحذف المضاف ، وأقيم المضاف إليه مقامه.
والثالث : أنه متعلّق بمحذوف على أنه حال من «فئتين» ؛ لأنه في الأصل صفة لها ، تقديره : فئتين مفترقتين في المنافقين ، وصفة النكرة إذا قدّمت عليها ، انتصبت حالا.
وفي «فئتين» وجهان :
أحدهما : أنها حال من الكاف والميم في «لكم» ، والعامل فيها الاستقرار الذي تعلّق به «لكم» ؛ ومثله : (فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ) [المدثر : ٤٩] ، وقد تقدّم أنّ هذه الحال لازمة ؛ لأن الكلام لا يتمّ دونها ، وهذا مذهب البصريّين في كل ما جاء من هذا التّركيب.
والثاني ـ وهو مذهب الكوفيين ـ : أنه نصب على خبر «كان» مضمرة ، والتقدير : ما لكم في المنافقين كنتم فئتين ، وأجازوا : «ما لك الشاتم» أي : ما لك كنت الشّاتم ، والبصريّون لا يجيزون ذلك ؛ لأنه حال والحال لا تتعرّف ، ويدلّ على كونه حالا التزام مجيئه في هذا التّركيب نكرة ، وهذا كما قالوا في «ضربي زيدا قائما» : إنّ «قائما» لا يجوز نصبه على خبر «كان» المقدّرة ، بل على الحال ؛ لالتزام تنكيره. وقد تقدّم اشتقاق «الفئة» في البقرة.
__________________
(١) سقط في ب.