ويقال : أركس وركّس بالتّشديد وركس بالتّخفيف : ثلاث لغات بمعنى واحد ، وارتكس هو ، أي : رجع.
وقرأ (١) عبد الله : «ركسهم» ثلاثيا ، وقرىء (٢) «ركّسهم ـ ركّسوا» بالتشديد فيهما.
وقال أبو البقاء (٣) : «وفيه لغة أخرى : «ركسه الله» من غير همز ولا تشديد ، ولا أعلم أحدا قرأ به».
قلت : قد تقدّم أن عبد الله قرأ «والله ركسهم» من غير همز ولا تشديد [ونقل ابن الخطيب أنّها قراءة أبيّ أيضا] وكلام أبي البقاء مخلّص ؛ فإنه إنما ادّعى عدم العلم بأنّها قراءة ، لا عدم القراءة بها.
قال الرّاغب : «إلا أن «أركسه» أبلغ من «ركسه» ؛ كما أنّ أسفله أبلغ من سفله» وفيه نظر.
فصل
قوله : (أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً) قالت المعتزلة : المراد من قوله : (أَضَلَّ اللهُ) ليس أنّه هو خلق الضّلال فيه للوجوه المشهورة ؛ لأنه قال قبل هذه الآية : (وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا) فبيّن ـ تعالى ـ [أنه](٤) إنّما ردّهم وطردهم بسبب كسبهم وفعلهم ، وذلك ينفي القول بأنّ ضلالهم حصل بخلق الله ، وعند هذا حملوا قوله : (مَنْ أَضَلَّ اللهُ) (٥) على وجوه :
أحدها : المراد أنّ الله حكم بضلالهم وكفرهم ؛ كما يقال : فلان يكفر فلانا ويضلّله ، بمعنى : أنه حكم به وأخبر (٦) عنه.
وثانيها : أن المعنى : أتريدون أن تهدوا إلى الجنّة من أضلّه الله عن طريق الجنّة ؛ وذلك لأنّه ـ تعالى ـ يضلّ الكفّار يوم القيامة عن الاهتداء إلى طريق الجنّة.
وثالثها : أن يفسّر الإضلال بمعنى الألطاف ، وقد تقدّم ضعف هذه الوجوه ، ثمّ نقول : هب أنّها صحيحة ، ولكنّه ـ تعالى ـ أخبر عن كفرهم وضلالهم ، وأنّهم لا يدخلون الجنّة ، فقد توجّه الإشكال ؛ لأن انقلاب علم الله ـ تعالى ـ جهلا محال ، والمفضي إلى المحال محال ، ويدل على أنّ المراد أنه ـ تعالى ـ أضلّهم عن الدّين ـ قوله ـ تعالى ـ : (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً) والمعنى : أنه ـ تعالى ـ لمّا أضلّهم عن الإيمان امتنع أن يجد المخلوق سبيلا إلى إدخاله في الإيمان.
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٣٢٦ ، والدر المصون ٢ / ٤٠٨.
(٢) ينظر : السابق.
(٣) ينظر : الإملاء ١ / ١٩٠.
(٤) سقط في ب.
(٥) سقط في أ.
(٦) في أ : والخبر.