وخامسها : قال أبو هاشم (١) : وتقدير الآية : وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا [إلّا](٢) أن يقتله خطأ فيبقى حينئذ مؤمنا ، فإن قتل المؤمن يخرجه عن كونه مؤمنا إلّا أن يكون خطأ ، فإنّه لا يخرجه عن كونه مؤمنا ، وهذا بناء على أصلهم ، وهو أنّ الفاسق عند المعتزلة ليس بمؤمن ، وهو أصل [فاسد](٣) وباطل.
وإن قلنا : إنه استثناء منقطع ، فهو بمعنى لكن ، ونظائره كثيرة ، قال ـ تعالى ـ : (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً) [النساء : ٢٩]. وقال : (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ) [النجم : ٣٢] وقال : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً) [الواقعة : ٢٥ ، ٢٦].
فصل
قال القرطبي (٤) : ذهب داود إلى وجوب القصاص بين الحرّ والعبد ، في النّفس وفي الأعضاء ؛ لقوله ـ تعالى ـ : (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) إلى قوله : (وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ) [المائدة : ٤٥] ولقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «المؤمنون تتكافأ (٥) دماؤهم» (٦) ولم يفرق بين حرّ وعبد.
قال أبو حنيفة [وأصحابه](٧) : لا قصاص بين الأحرار والعبيد إلا [في](٨) النّفس ، فيقتل الحرّ (٩) بالعبد كما يقتل العبد بالحرّ ، ولا قصاص بينهما في الجراح والأعضاء ، وأجمع العلماء على أنّ قوله ـ تعالى ـ : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً) أنّه لم يدخل فيه العبيد ، وإنما أريد به : الأحرار ؛ فكذلك قوله ـ عليهالسلام ـ : «المؤمنون تتكأفأ دماؤهم» أريد به الأحرار خاصّة ، والجمهور على ذلك ، وإذا لم يكن قصاص بين العبيد والأحرار فيما دون النّفس ، فالنفس أحرى بذلك ، وقد مضى هذا في البقرة.
قوله : (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) «خطأ» إما منصوب على المصدر ، أي : قتلا خطأ ، وإما على [أنّه](١٠) مصدر في موضع [الحال](١١) أي ذا خطإ أو خاطئا والفاء في قوله : «فتحرير» جواب الشّرط ، أو زائدة في الخبر إن كانت «من» بمعنى الّذي ، وارتفاع «تحرير» : إمّا على الفاعليّة ، أي : فيجب عليه تحرير ، وإمّا على الابتدائيّة ، والخبر محذوف أي : فعليه تحرير أو بالعكس ، أي : فالواجب تحرير ، والتحرير عبارة عن جعله حرّا والحرّ هو الخالص ، ولما كان الإنسان في أصل الخلقة خلق ليكون مالكا
__________________
(١) ينظر : تفسير الرازي ١٠ / ١٨١.
(٢) سقط في ب.
(٣) سقط في أ.
(٤) ينظر : تفسير القرطبي ٥ / ٢٠٢.
(٥) في ب : يكافىء.
(٦) تقدم.
(٧) سقط في أ.
(٨) سقط في ب.
(٩) في ب : العبد.
(١٠) سقط في أ.
(١١) سقط في ب.