القرآن بخبر الواحد لا يجوز ؛ لأن القرآن معلوم وخبر الواحد مظنون ، ولا يجوز تقديم المظنون على المعلوم ؛ ولأن هذا خبر واحد ورد فيما تعمّ به البلوى ؛ ولأنّه خبر واحد ورد على مخالفة أصول الشّريعة فوجب ردّه ، واحتجّ الفقهاء بما روي [عن](١) المغيرة أنّ امرأة ضربت بطن امرأة ، فالقت جنينا ميّتا ، فقض رسول الله صلىاللهعليهوسلم على عاقلة الضّاربة بالغرّة ، فقام حمل بن مالك فقال : كيف ندي من لا شرب ولا أكل (٢) ، ولا صاح ولا استهلّ (٣) ، ومثل ذلك يطل (٤) ، فقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : هذا من سجع الجاهليّة (٥).
وعن عمر ـ رضي الله عنه ـ : قضي على عليّ ـ رضي الله عنه ـ بأن يعقل عن مولى صفية بنت عبد المطّلب (٦) حين جنى مولاها ، وعليّ كان ابن أخي صفيّة وقضى للزّبير بميراثها ، وهذا يدلّ على أنّ الدّية إنّما تجب على العاقلة (٧).
فصل
مذهب الفقهاء أنّ دية المرأة نصف دية الرّجل ، وقال الأصمّ وابن عطيّة : ديتها على مثل دية الرّجل ، واحتجّ الفقهاء بأن عليّا ، وعمر ، وابن مسعود قضوا بذلك ؛ ولأن المرأة في الميراث والشّهادة على النّصف من الرّجل ، فكذلك في الدّية ، واستدل الأصمّ بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ) وأجمعوا على أنّ هذه الآية دخل فيها حكم الرّجل والمرأة فوجب أن يكون الحكم ثابتا فيها بالسويّة.
قوله : (إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا) فيه قولان :
أحدهما : أنه استثناء منقطع.
والثاني : أنه متصل.
قال الزمخشري (٨) : «فإن قلت : بم تعلّق (أَنْ يَصَّدَّقُوا) وما محلّه؟ قلت : تعلّق ب «عليه» أو ب «مسلمة» كأنه قيل : وتجب عليه الدّية أو يسلّمها إلا حين يتصدّقون عليه ، ومحلّها النّصب على الظّرف ، بتقدير حذف الزّمان ، كقولهم : «اجلس ما دام زيد جالسا» ، ويجوز أن يكون حالا من «أهله» بمعنى إلا متصدّقين». وخطّأه أبو حيّان في هذين التّخريجين.
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في ب : أكل ولا شرب.
(٣) في أ : أسهل.
(٤) في ب : باطل.
(٥) أخرجه أبو داود (٢ / ٦٠١) كتاب الديات : باب في دية الجنين حديث (٤٥٧٤) والنسائي (٨ / ٥١ ـ ٥٢) كتاب القسامة وابن حبان (١٥٢٤ ـ موارد) من حديث ابن عباس.
(٦) في أ : الملك.
(٧) ينظر : تفسير الرازي (١٠ / ١٨٥).
(٨) ينظر : الكشاف ١ / ٥٥٠.