أعاده لبيان أنّه لا تجب الدّية في قتله ، فأمّا ههنا فقد أوجب الدّية والكفّارة ، فلو كان المراد هو المؤمن ، لكان تكرارا من غير فائدة ، وأنه لا يجوز.
ثانيها : لو كان المراد ما ذكرتم لما كانت الدّية مسلّمة إلى أهله ؛ لأنّ أهله كفّار لا يرثونه.
ثالثها : أن قوله : [«وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق»](١) يقتضي أن يكونوا من ذلك القوم في الوصف الذي وقع التّنصيص (٢) عليه ، وهو حصول الميثاق بينهما ، فإن كونه منهم مجمل ، لا يدرى أنّه منهم في أيّ الأمور ، وإذا حملناه على كونه منهم في ذلك الوصف ، زال الإجمال (٣) فكان ذلك أولى ، وإذا دلّت الآية على أنّه منهم في كونه معاهدا ، [وجب أن يكون معاهدا أو ذمّيّا](٤) مثلهم ، ويمكن أن يجاب عن هذه الأوجه :
أمّا الأوّل : فلأن الله ـ تعالى ـ ذكر حكم المؤمن المقتول خطأ السّاكن في دار الحرب ، وبيّن أنّ الدّية لا تجب في قتله ، وذكر القسم الثّاني ، وهو المؤمن المقتول خطأ السّاكن بين أهل الذّمّة ، وبيّن وجوب الدّية ، والكفّارة في قتله ، والغرض منه : إظهار الفرق بينه وبين القسم الذي قبله.
والجواب عن الثّاني : أن أهله هم المسلمون الّذين تصرف الدية إليهم.
وأما الثالث : فإن كلمة «من» صارت مفسرة في الآية السّابقة ؛ بمعنى «في» ، يعني : في قوم عدوّ لكم ، فكذا ههنا ، وفائدة هذا البحث تظهر في مسألة شرعيّة ، وهي أنّ أبا حنيفة يرى أنّ دية الذّمّي مثل دية المسلم.
وقال الشافعي (٥) : دية اليهوديّ والنّصراني ثلث دية المجوسي ، وقال غيره : نصف دية المسلم.
واحتج أبو حنيفة بقوله : «وإن كان من قوم بينكم وبينهم (٦) ميثاق» والمراد به : الذّمّي ، ثم قال : «فدية» فأوجب فيهم تمام الدّية.
وجوابه : أن نقول : هذه الآية نزلت في المؤمنين كما بيّنّا فسقط استدلاله ، وبتقدير (٧) أن تكون نزلت في أهل الذّمّة ، فإنما وجب (٨) [فيها](٩) مسمّى دية ، ولكن لم يبيّن مقدارها ، فلم قلتم بأنّ الدّية التي (١٠) أوجبها في حقّ المسلم ، بل لكلّ دية مقدار معيّن ، فإن الدّية هي (١١) المال المأخوذ الّذي يؤدّى في مقابلة النّفس.
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في أ : للنصوص.
(٣) في أ : الإجهال.
(٤) سقط في أ.
(٥) ينظر : تفسير الرازي ١٠ / ١٨٧.
(٦) في أ : ومن.
(٧) في ب : وتقديره.
(٨) في ب : فأيما أوجب.
(٩) سقط في أ.
(١٠) في ب : الذي.
(١١) في أ : على.